إنجيل هٰذا الأحد من (لو ٥: ٢٧-٣٩)، وفيه نجد السيد المسيح يدعو “لاوي” العشّار كي ما يتبعه في كرازته ويُصبح له تلميذًا؛ فصار القديس “متى” الرسول أحد الاثنَي عشر تلميذًا. والعشارون هم فئة كانت مكروهة لدى اليهود إذ يمثلون سلطة الرومان عليهم وما يَجْبونه من ضرائب كثيرة أثقلت كاهلهم. فقد كانت الدولة الرومانية تُوكِل إلى أحد الأثرياء ـ غالبًا من الرومان ـ حق جمع الضرائب والمكوث في المقاطعات الرومانية ليؤدي المبالغ المحددة إلى خِزانة المملكة العامة؛ ثم يقوم ذٰلك الثريّ بمنح أحد اليهود ذٰلك الحق الذي يقوم بدوره في مدينة ما بجمع الضرائب المفروضة على الشعب. وكان كثيرًا ما يغالي العشارون في تقدير الضرائب لتحقيق مكاسب لهم؛ لذٰلك كان الشعب يعتبرهم خدام الدولة المستعمرة من أجل أنهم يحققون ثروات لأنفسهم. لذٰلك نجد القديس “يوحنا المَعمَدان” يُوْصي العشارين الذين أتَوا إليه يطلبون التوبة أن لا يأخذوا أكثر من الضرائب الموضوعة: “وجاء عشارون أيضًا ليعتمدوا وسألوه: «يا معلم، ماذا نفعل؟». فأجاب: «لا تستوفوا أكثر مما فُرض لكم».” (لو ٣: ١٢-١٣).
ومن هٰذا اللقاء نجد أن:
-
السيد المسيح يهتم بكل نفس بشرية وبخلاصها، وإن كانت غارقة في الخطايا والآثام، أو كانت مرفوضة ومرذولة من الناس، فهو يتقدم معلنًا أن باب التوبة والغفران هو للجميع، إنه يُدرِك أن تلك النفوس هي التي تحتاجه بحق: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة.”.
-
لم يكُن اهتمام السيد المسيح بشخص “لاوي” فقط من أجل خلاص نفسه بل قد صار هٰذا العشّار تلميذًا له وتبِعه: “وبعد هٰذا خرج فنظر عشارًا اسمه لاوي جالسًا عند مكان الجباية، فقال له: «اتبعني».”.فالسيد المسيح يرى جمال النفس الإنسانية التائبة وقدراتها على الخدمة، على الرغم من رؤية البشر لها وحكمهم عليها، ولذٰلك يفتح لها أبواب التوبة والخدمة.
-
اهتم “لاوي” العشار بكلمات السيد المسيح “فترك كل شيء وقام وتبِعه”؛ إنها التوبة الحقيقية: أن يترك الإنسان كل شر، ويتجه بقلب صادق وعزم شديد من أجل حياة جديدة صالحة. لقد ترك “لاوي” وظيفته التي تُدِر عليه ربحًا كبيرًا، وترك أمواله، وترك كل ما لديه ليتبع السيد المسيح في الطريق الضيّق المؤدي إلى الحياة الأبدية: “وذهبَ بي بالروح إلى جبل عظيم عالٍ وأراني المدينة العظيمة أورُشليم المقدَّسة نازلةً من السماء من عند الله، لها مجد الله ولمعانها شِبه أكرم حجر كحجر يَشْب بَِلُّوريّ …. وسور المدينة كان له اثنا عشَر أساسًا وعليها أسماء رسل الخروف الاثنَيْ عشَر.” (رؤ ٢١: ١٠-١٢ و١٤).