يخاطبنا إنجيل هٰذا الأحد من (مر ٣: ٢٢-٣٥)، حيث يوضح السيد المسيح لنا عدة تعاليم مهمة:
• أولاً: خطورة الانقسامات التي تهدم الأسرة والمجتمع والبلاد بأسرها: “… وإن انقسمت مملكة على ذاتها لا تَقدِر تلك المملكة أن تثبَُت. وإن انقسم بيت على ذاته لا يقدر ذٰلك البيت أن يثبَُت.”. فالانقسامات والشقاقات من أخطر الحُروب التي تمر بحياة الإنسان ولا يتبعها سوى الدمار؛ فمن ينقسم على ذاته يتقلقل في طرقه، ولا يحقق أيّ أهداف أو آمال أو طُموحات في حياته، ولا يستطيع أن يثبَُت. أمّا البيت المنقسم على ذاته، فيتهدم سريعًا؛ والبلاد والممالك التي انقسمت لم تتمكن من الثُّبوت، ولم تجد لها وجودًا إلا سطورًا في ذاكرة التاريخ! وقد تحدثنا بأكثر تفصيل عن خطر الانقسامات في مقالة سابقة.
• ثانيًا: سبقت كلمات السيد المسيح معجزاتٌ من شفاء وإخراج للشياطين ما جعل الكتبة ـ المقاومين للسيد المسيح ـ يدّعون أنه برئيس الشياطين يخرجهم حتى يؤمن به الجُموع!! لٰكن السيد وضح لهم أمرين: أن الانقسام في مملكة الشيطان لا يؤدي إلا إلى دمارها، والأمر الثاني أن تلك المعجزات لا بد لها من قوة أكبر من قوى الشيطان: “لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قويّ ويَنهَب أمتعته، إن لم يربِط القويّ أولاً، وحينئذ يَنهَب بيته.”. لقد اعتبر الشيطان أن أنفس البشر هي مِلكًا له؛ وهٰكذا فهو لن يتركهم إلا متى غلبه من هو أعظم وأكبر منه؛ وهٰذا ما فعله السيد المسيح؛ يقول “القديس كيرِلس الكبير”: [يقصد بـ«القويّ» الشيطان. وما هو «بيته» إلا مملكته على الأرض. وأمّا «أمتعته»: فهي أولٰئك الناس الذين يتشبهون بـ«إبليس» أبيهم في شُؤونهم وأعمالهم … لأنهم يشتركون معه في الخبث والشر. دخل المسيحُ الكلمةُ وحده «بيت إبليس» (أيْ) هٰذا العالم الأرضيّ، وربط الشيطان في سلاسل الظلام وطرحه (2 بط 2: 4). خلَّص «لاوي» فلم يعُد بعدُ أسيرًا في مملكة الشيطان، وأصبح بتوبته جديرًا بالبركات الإلٰهية؛ فنتعلم أن التوبة هي السبيل السويّ إلى الخلاص والفداء …].
• يتحدث السيد بعد ذٰلك مباشرة عن التوبة طريق الإنسان إلى قبول مراحم الله إياه وغفرانه لخطاياه، ومهما فعل الإنسان يُغفر له، إلا خطية “التجديف على الروح القدس”: “الحق أقول لكم: إن جميع الخطايا تُغفر لبني البشر، والتجاديف التي يجدفونها. ولٰكن من جدَّف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد، بل هو مستوجِب دينونة أبدية.”؛ وهنا يحاول الشيطان أن يشكك الإنسان في قَبول توبته كي ما يُدخل اليأس إلى قلبه، لٰكن الله يقبل كل نفس تأتي إليه: “من يُقْبل إليَّ لا أُخرجه خارجًا”، مهما عظُمت أخطاؤها: “هلم نتحاجج، يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيَضّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدُّوديّ تصير كالصوف.” (إش 1: 18)!! والتوبة هي الطريق التي يسلكها للغفران. أمّا الخطيئة الوحيدة التي لا تُغفر، فهي ـ بحسب ما فسرها آباء الكنيسة: الإصرار على عدم التوبة؛ فيقول “القديس أغسطينوس”: [«عدم التوبة»: هو «التجديف على الروح القدس» الذي لن يُغفر، لا في هٰذا العالم، ولا في الآتي.].