“«أين شوكتكَ، يا موت؟ أين غلَبتكِ، يا هاوية؟!».” (كورنثوس الأولى ١٥:٥٥).
لقد بدأت بالقيامة رحلة الانتصار على الموت الذي كان قديمـًا حقيقة مخيفة مرعبة والطريق المؤدي إلى الهاوية، ليتحول إلى عبور إلى حياة السعادة الدائمة . فعندما بلغ أبانا “يعقوب” أن يوسُف ابنه قد افترسه وحش رديء، حزِن حزنـًا شديدًا، “فقام وجميع بنيه وجميع بناته ليُعَزّوه، فأبى أن يتعزى وقال: «إني أنزل إلى ابني نائحـًا إلى الهاوية». وبكى عليه أبوه.” (تكوين ٣٧:٣٥). إلا أن ذٰلك الرجاء الذي صدقه وعاش عليه الأبرار وقديسو العهد القديم، تحقق في قيامة السيد المسيح.
فإعلان الملاك: “ليس هو هٰهنا، لأنه قام كما قال!” (متى ٢٨:٦)، قدَّم بعدًا جديدًا للإنسان إذ أعلن له أن ذاك الذي لا يستطيع الموت أن يُمسكه قدَّم الحياة إلى جميع البشر. وبعد أن ظلت قضية الموت والحياة تشغل الفكر الإنسانيّ على مر العصور التي عاشها الإنسان، وما زالت تشغل آخرين من جهة التفكير في طبيعة الموت وما بعده من حياة، أصبحت السماء هي ما يشغل الإنسان، وكُسر الخوف من الموت الذي لم يعُد سوى جسر من حياة التعب والألم والشقاء إلى أخرى مِلؤها السعادة في السماء.
وأصبحت القيامة تحمل في أعماقها إلى كل إنسان يحب الله ويقدِّم الخير رجاءً في أن هناك دائمـًا حياة فُضلى يسعى نحوها باستمرار. فيتحدث بولس الرسول عن “… رجاء الحياة الأبدية التي وعد بها الله المنزَّه عن الكذب، قبل الأزمنة الأزلية …” (تيطس ١:٢)، وأن سر سلام الإنسان وتعزيته الحقيقية هو في ذٰلك الرجاء الذي نحياه بارتفاع الفكر إلى السماويات. فأصبح لا مكان للحزن: “… لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم.” (تسالونيكي الأولى ٤:١٣). وأصبحت القيامة هي تعزية كل إنسان متألم أو حزين، إذ معها يرى ما لا تراه عين، وما لا تسمعه أذن، وما لا يخطر على قلب بشر. وأصبحت القيامة وميضـًا يُضيء حياة الإنسان في هٰذه الحياة الزمنية، فيرتفع به فوق الصعوبات والمشكلات والآلام وفقدان الأعزاء.
وأصبحت القيامة تحمل معها رسالة اطمئنان في أن ما قدَّمه الإنسان من خير وتعب لأجل الله لن يفنى ولن يضيع، بل مكافأته محفوظة عند الله: “«ها أنا آتي سريعا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله …” (الرؤيا ٢٢:١٢)؛ فما يفعله الإنسان حتمـًا سيجازى عنه. لذٰلك، لنا رجاء أن كل خير لا يضيع، بل إن كأس الماء البارد لن يضيع أجره كما وعدنا السيد المسيح. وأيضـًا صارت القيامة دعوة إلى أن يقدِّم الإنسان مزيدًا من البذل والتعب من أجل الله والناس، تقديم مزيد من المحبة، والتسامح، وأعمال الخير، ومساعدة كل إنسان يلتقيه.
أيضًا رسالة اطمئنان أن الشر قصير، ولن يطول، وإن طال في الحياة الزمنية فسينتهي حتمـًا في الأبدية حيث لا شر، أو خداع، أو كذب، أو افتراءات. لن توجد ظلمة أو تأثير لقوى الشر، لأن دينونة الشر قد أتت وحان وقتها؛ وحينئذ يعرف كل من ذاق مرارة ألم الظلم سيتجرع ويشيع من حلاوة عدالة الله، وسيجازَى على احتماله. فإن كان الشر قد ملأ العالم، فالخير والعدل في السماء سيمتدان في نهار الأبدية الدائم. إننا حين نتذكر القيامة والأبدية، يمكننا أن نحتمل ونستمر في مسيرة المحبة والعطاء.
وهٰكذا يصير عيد القيامة فرصة لنتذكر أن بعد الغروب إشراقة نهار جديد خالد لا غروب بعده! ففي القيامة بُزوغ نور لا ينتهي إذ “لا يكون ليل هناك، ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس، لأن الرب الإلٰه ينير عليهم، وهم سيملِكون إلى أبد الآبدين.” (رؤيا ٢٢:٥).
اخرستوس آنيستى!
أليسوس آنيستي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي