وفي محبة الله للإنسان، نجده يُشبع حاجاته جميعها؛ فهو يهتم بجوانب حياته كافة: الجسدية، والنفسية، والروحية؛ ونرى هٰذا واضحًا في معاملاته تجاه البشر.
الحاجات الجسدية
يهتم الله بحاجاتنا الجسدية؛ فهو يُعلن محبته الأزلية للخليقة كلها من خلال رعايته لها، بل إن الله ـ تبارك اسمه ـ يرعى كل إنسان حتى من يرفضونه؛ “… فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويُمطِر على الأبرار والظالمين.” (متى 45:5). وفي هٰذا أتذكر موقف أحد الخدام، أراد أن يُحسن إلى إنسان فقير وجده يتذمر على الله، فاغتاظ وطرد الفقير! وهنا قال له الله: إني أصبر وأحتمل هٰذا الإنسان خمسين سنة، وأنت لم تحتمله ساعة واحدة!!
لذا، لا تقلق عزيزي الإنسان:
الله يعلم حاجات كل فرد، ويهب له ما هو لخيره. الله يستطيع أن يهبك كل شيء؛ يكفي أن تنظر إلى طيور السماء: “… إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماويّ يقوتها.” (مت 26:6). ثم يوجه الله رسالة إليك تبدو تساؤلًا: “ألستم أنتم بالحريّ أفضل منها؟” (مت 26:6)؛ كأن الله يريد أن يقول: لا تخافوا! فجميع حاجاتكم هي لديّ، وأنا قادر أن أقدمها إليكم؛ فإن كان الله يهتم بالطيور وزنابق الحقل، أفلا يهتم بالإنسان الذي خلق له الكون كله؟!! “… تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب و لا تغزل. ولكن أقول لكم: إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبَس كواحدة منها. فإن كان عشب الحقل الذي يوجَد اليوم و يُطرح غدا في التَّنور، يُلْبسه الله هٰكذا، أفليس بالحريّ جدا يُلْبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟” (متى 28:6-30). وقد جذب انتباهي المقارنة بين عشب الحقل و”سليمان” الملك الذي كان أغنى أغنياء الأرض وأحكم من عليها؛ ليفهم الإنسان أن الشبع والبهاء ليسا بمدى غنى الشخص وإنما هما من الله؛ وأن كل ما يحتاج إليه الإنسان إنما يأتي بالثقة بمحبة الله له. لا تنظر فيما تملك ولٰكن فيما يملك الله؛ وحينئذ تُدرك حجم غناك الحقيقيّ.
وحين يُلقي عدو الخير في نفسك القلق، تذكر داود النبيّ الملك الذي شعر وأدرك عناية الله ومحبته، فقال: “ألقِ على الرب همك فهو يعولك.” (مزمور 22:55)، وكذلك قال: “كنتُ فتى وقد شختُ، ولم أرَ صديقا تُخُلِّيَ عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزا.” (مزمور 25:37).
وتظهر قدرة الله على إشباع أبناء شعبه عندما خرجوا إلى أرض كنعان وساروا في البرية أربعين سنة يعولهم فيها بالطعام، والشراب، والملبس؛ فكانوا حينما يتذمرون على موسى النبي ويطلبون طعامًا، يجيب الله موسى: “ها أنا أمطر لكم خبزا من السماء. فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها. …”، ثم يقول: “«سمعتُ تذمر بني إسرائيل. كلِّمهم قائلا: في العشية تاكلون لحما، و في الصباح تشبعون خبزا، و تعلمون أني أنا الرب إلٰهكم».” (الخروج 4:16 و12). ويتعجب موسى، حتى إنه تساءل: “«سِت مئة ألف ماشٍ هو الشعب الذي أنا في وسطه، وأنت قد قلت: أعطيهم لحما ليأكلوا شهرا من الزمان. أيُذبح لهم غنم وبقر ليكفيهم؟ أم يُجمع لهم كل سمك البحر ليكفيهم؟».” (العدد 22:11-23)، فيجيبه الله: “«هل تقصر يد الرب؟ الآن ترى أيوافيك كلامي أم لا؟».” (العدد 23:11). وتتحقق كلمات الله.
ونجد تكرار هذا الموقف والحوار في العهد الجديد. وللحديث بقية …