وكما أن محبة الله للإنسان تظهر في الاهتمام بحاجاته الجسدية، فإن الله يهتم بحاجاته النفسية فيقدم إليه محبة عميقة فائقة. وتظهر هٰذه المحبة في تفهم الله لضعف الإنسان والتجارِب التي تأتي عليه؛ فنجد أن السيد المسيح يتقدم ويسمح للشيطان بأن يجربه، ثم ينتصر عليه، مقدِّمـًا لنا الخطى نحو الانتصار.
ففي “أحد التجربة”، تدخل محبة الله بنا إلى عمق جديد؛ فهو يعلمنا أن الإنسان يتعرض للتجارِب من الشيطان في أثناء سيره في الطريق إلى الملكوت، في محولات لثَنْي عزمه عن مواصلة المسير. إلا أن الله يُعلن لنا أنه يعضدنا في وقت التجربة؛ فنجد السيد المسيح يسمح بأن يجرَّب ليفتح الذهن البشريّ ويعلمه ويهب له الغلَبة على الشيطان. فيقول القديس “هيلاري” أسقف بواتيه: “الحب الإلٰهيّ قد دفع السيّد المسيح إلى الدخول إلى معركة ضدّ إبليس من أجلنا ولحسابنا.”.
ففي التجارِب نجد أن:
المسيح يشاركني الألم ويهب لي النُّصرة، فيقول الرسول بولس: “لأنه في ما هو قد تألم مجرَّبا يقدِر أن يعِين المجرَّبين.” عب 18:2، ويقول: “… مجرَّب في كل شيء مثلنا، بلا خطيّة.” عب 15:4. فبمرور التجرِبة بالسيد المسيح، نجد أنه قد مرت به كل المشاعر التي تجتاز الإنسان، وانتصر عليها لأجل أن يمنحنا النُّصرة. فحينما تنساب الأفكار خُِفية إلى أعماقنا، أو تحاربنا الشكوك، تتردد أسئلة مثل: أحقـًّا يعرف الله ما نشعر به؟ أيُدرك عظم الآلام التي تمر بنا؟ أيشعر بأحزاني؟ ونجد الإجابات: إن كل ما تمر به، يا ابني الحبيب، أعرفه وقد اجتزتُه؛ فقط، اثبُت في محبتي وستتعلم كيف تجتاز آلامك وضيقاتك، بل ستكون هٰذه الفترات لكي تعرف فيها محبتي وقوتي وعنايتي بك. يقول القديس “أغسطينوس”: “إذ هو شفيعنا، يساعدنا أن نغلِب في التجرِبة وقد صار مثالـًا لنا. يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجرِبة حتى يعلِّم أولاده كيف يحاربون.”.
السيد المسيح يعلمنا كيف ننتصر؛ يقول “الأب سرابيون”: “أعطانا الرب بمثاله، كيف نستطيع أن ننتصر كما انتصر هو حين جُرِّب.”.
1. وهنا نجد الطريق إلى الانتصار:
1. أن تعرِف كلمة الله : لأنه “«مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله»”.
2. أن تفهم كلمة الله: قد يحاربك الشرير بكلمات الله؛ لذٰلك يجب أن تفهم وصية الكتاب بأسلوب عميق، ولا تفسره بحسب أهوائك ورغباتك الشخصية. يقول القدّيس “ﭼيروم”: “يفسّر الشيطان المكتوب تفسيرًا خاطئـًا … كان يليق به أن يكمّل ذات المزمور الموجَّه ضدّه إذ يقول: «تطأ الأفعى وملِك الحيّات وتسحق الأسد والتنين». فهو يتحدّث عن معونة الملائكة كمن يتحدّث إلى شخص ضعيف محتاج إلى العَون؛ ولٰكنه مخادع إذ لم يذكر أنه سيُداس بالأقدام.”.
3. أن تجعل الله الأول في حياتك؛ فينبغي لك أن تتساءل وتقيِّم أولوياتك في الحياة، وأين الله فيها وأين مكانته. ولا تكُن مثل شعب بني إسرائيل الذين قيل لهم: “إن كنتُ أنا أبًا، فأين كرامتي؟ وإن كنتُ سيدًا، فأين هَيبتي؟” (ملا 6:1). وهٰكذا يكون الانتصار في تجارِب العظمة ومحبة العالم. فالشيطان يحاربك: “«أعطيك هٰذه جميعها إن خَرَرتَ وسجدتَ لي»”؛ فتكون إجابتك: “«اذهب يا شيطان! لأنه مكتوب: للرب إلٰهك تسجد وإياه وحده تعبد».” (مت 9:4-10).
وهٰكذا يرسُِم لنا إلٰهنا المحب الذي يسعى لخلاصنا طريق النصرة في:
1. احفظ كلماتي في قلبك فتستطيع أن تعبر التجربة.
2. لا تعتمد علي آية واحدة، أو فكرة واحدة، تقودك إلى ما ترغبه، بل كُن دقيقـًا في فكرك وسلوكك.
3. إذا كان الله الأول في حياتك، فثق أن لك النصرة.
وتكون نتيجة التجربة مجد، كما يقول القدّيس “ﭼيروم”: “التجرِبة تسبق لكي تتبعها نُصرة؛ وتأتي الملائكة فتخدُِم لتثبت كرامة المنتصر.”. ويؤكد القديس “يوحنا الذهبيّ الفم”: “بعد انتصاراتك النابعة من انتصاراته، تستقبلك الملائكة أيضـًا وتمدحك وتخدُِمك كحرّاس لك في كل شيء.”.
وللحديث بقية …