أنا أم الآخر؟ قضية حياة تمر بجميع البشر، وقليلون من يستطيعون عبورها بأمان، ففى الحياة نظرتان للأمور؛ أولهما أن يركز الإنسان فى الآخرين السائرين معه فى الطريق فى مقارنة دائمة بينه وبينهم، وثانيهما أن يركز فى أموره وذاته فينتبه لدوافعه واهتماماته وأسلوب تفكيره فى الأمور ومن ثَم تقييمه لها؛ وهكذا فهو يقارن دائمـًا بينه وبين ذاته وما وصلت إليه من تقدم.
وفى معترك الحياة، يقولون: “الفوز لا يعنى دائمـًا أنك الأول، ولٰكنه يعنى أنك أفضل من قبل”؛ وبذٰلك يمكننا أن نرى فى سعى الإنسان نحو تحقيق الفوز والنجاح أحد اتجاهين فى التفكير يناقض كل منهما الآخر؛ ففى الشق الأول من العبارة: “الفوز لا يعنى دائمـًا أنك الأول”، يرسُم صورة إنسان يرى فى معنى الفوز ارتباطـًا بكونه “الأول”، أى إنه أفضل من الآخرين وبذٰلك هو يركز فى رحلة حياته، لا لكى يحقق تقدمـًا حقيقيـًّا، بل لاهتمامه بأن يكون أفضل من رفقاء مسيرة الحياة. أمّا فى الثانى: “لٰكنه يعنى أنك أفضل من قبل”، فيهتم بنظرة الإنسان فيما حققه فى مقارنة بذاته، أى بأنه أحرز تقدمـًا ونموًّا ونضجـًا فى مسيرة الحياة، وهٰذا هو طريق الناجحين الذين يسعَون نحو أهدافهم ويدربون أنفسهم فى طريق إحراز التقدم على أنفسهم.
والنوع الأول من البشر الذين يختارون مقارنة أنفسهم بالآخرين: يسعَون فى طريق ممتلئ بالأشواك لن ينتهى إلا بجراح مؤلمة للجميع؛ فكما يقول الكاتب الأديب المسرحى “ويليام شكسبير”: “أصعب معركة فى حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصًا آخر!”، وما أصعب أن يدفع الإنسان نفسه ليصبح كيانـًا مختلفـًا غريبـًا عن ذاته! فيحاول أن يكون على شاكلة الآخرين، ويفقد خصوصيته وتميزه اللذين وهبهما له الله؛ ليصبح صورة باهتة ضعيفة من آخرين فى الحياة؛ وفى ذٰلك الطريق يفقد أهدافه ورسالته ودوره، إلى جانب أنه يُخدع فى إمكاناته الحقيقية إذ يقارنها دائمـًا بما لدى الآخرين فينطلق فى رحلة لا يُدرِك نهايتها!.
أمّا النوع الثانى، فهو ذٰلك الشخص الذى يركز فى أهدافه ولا ينشغل عنها بأى أمر آخر، ودائمـًا ما يَعقِد مقارنة فيما حققه من تقدم نحو تلك الأهداف؛ فتجده: يتفوق على نفسه، ويخطو سريعـًا نحو القمة، يبحث عن مواهبه وإمكاناته ويطورها متميزًا فى جميع ما يعمل؛ وفى طريقه يشجع الآخرين أن يكونوا ذواتهم، مدركـًا أن فى كل إنسان هبة ما من الله ، فينجح هو ويساعد من حوله على التميز والنجاح، وهٰكذا يقدم الكاتب الأمريكى “مارك توين” نصيحته: “ابتعد عن الأشخاص الذين يحاولون التقليل من شأن طُموحاتك؛ صِغار الشأن دائمـًا ما يفعلون ذٰلك ، ولٰكنّ العظماء بحق يجعلونك تشعر أنك أنت أيضـًا يمكنك أن تصبح عظيمـًا”.
إن الحياة التى نعيشها قصيرة، ولا تستحق إلا أن نُدرِك دَورنا فيها ونسعى نحوه، أن نحيا حياتنا لا حياة الآخرين.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.