رفيق لا تستطيع التنصل من مصاحبته فى مسيرة الحياة؛ احتار فى وصفه كثيرون فقالوا عنه: “بوصلة المرء”، “شمعة فى قلب كل إنسان.. ربما تؤلم حرارتها قليلاً لٰكنها تُنير الطريق”، “شعاع من نور يتلألأ فى أعماق النفس الإنسانية”، “جرس إنذار”، “نور الذكاء لتمييز الخير من الشر”؛ إنه “الضمير.”
تعنى كلمة “ضمير” ـ وَفقًا لـ”مُعجم المعانى الجامع”: استعداد نفسى لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار، والتفرقة بينها، واستحسان الحَسن واستقباح القبيح منها، ويُقصد بـ”الضَّمير المِهنىّ”: ما يُبديه الإنسان من استقامة وعناية وحرص ودقة فى قيامه بواجبات مهنته، أما عن “تأنيب الضمير” أو “عذاب الضمير” أو “وَخْز الضمير”، فيُقصد به شعور الفرد بالعذاب أو بالندم لقيامه بخطأ ما نتيجة سُلوكه، ويُطلق على الإنسان الصادق الأمين أنه “حى الضمير” أو “ذو ضمير يقظ”؛ ونقيضه الشخص الذى يأتى بأعمال دون وازع سليم من ضميره يُسمى “فاقد الضمير” أو “معدوم الضمير”، أيضًا يعرَّف “الضمير الإنسانىّ” بأنه: مشاعر فى نُفوس البشرية جمعاء، تهتدى إلى مبادئ الأخلاق بعفوية وتِلقائية، وتقف إلى جانب المظلومين أو المستضعَفين.
اختلف العلماء والمفكرون فيما بينهم فى التعبير عن “ماهية الضمير”، وفى أنه قابل للصواب أو الخطأ. وقد عرَّف البعض “الضمير” على أنه قدرة الإنسان على التمييز بين الخطإ والصواب، أو بين الحق والباطل. وينشأ شعور بالندم داخل الشخص عندما تُعارض أعماله القيم الأخلاقية التى يؤمن بها؛ وعلى النقيض من ذٰلك: ينتابه شعور بالراحة والرضا عن النفس حين لا يُعارض سلوكه تلك القيم؛ ووفق هٰذا التعريف تكون القيم التى يتعلمها الإنسان فى حياته هى الحَكم الحقيقى على شعوره بالراحة والرضا أو الندم؛ وبهٰذا يختلف تكوُّن الضمير وفق اختلاف بيئة كل إنسان ونشأته اللتين تبنيان مفهوم الأخلاق لديه، وقد عبَّر علماء علم النفس والأعصاب والعُلوم الإنسانية فى العصر الحديث عن معنى كلمة “الضمير” على أنه تلك المشاعر والأحاسيس والمبادئ والقيم التى تحكم الإنسان، كما أنه ميزان الحس والوعى للتمييز بين الصواب والخطأ، مع توجيه النفس إلى القيام بفعل ما هو صحيح.
كذٰلك قدَّم الفلاسفة فهمًا للضمير بأنه مركَّب من الخبرات العاطفية، مؤسَّس على فَهم الإنسان لتلك المسئولية الواقعة على عاتقه إزاء مجتمعه وتقديره لما يقوم به من سُلوك نحو الآخرين، ويعبّر الفلاسفة عن أن الضمير ينشأ ويُبنى من خلال وضع الإنسان فى المجتمع وما يمر به من ظروف فى نشأته وبيئته، ويرى علماء النفس فى الضمير أنه جهاز نفسى داخل الإنسان يتأثر بتقييم الفرد لنفسه أو تقييمات الآخرين له؛ ويكون هٰذا التقييم للشخصية كلها لا لجانب منها، أيضًا ضمير الإنسان لا يحكم على الإنسان من خلال ما قام به من أعمال فى الماضى فقط بل عن الحاضر والمستقبل، ويؤكد علماء النفس أن ضمائر البشر تتباين ما بين السوية والمنحرفة بدرجات واتجاهات متفاوتة؛ فعلى سبيل المثال: .. وللحديث بقية .