استكملنا الحديث عن “الضمير” فى مقالتنا السابقة، وتباين ضمائر البشر ما بين السوية والانحراف بدرجات متفاوتة؛ والضميرين الفردى والجماعى وتأثير كل منهما عن الآخر.
وتكوُّن الضمير يتأثر بعدد من العوامل منها :
الأسرة: تعتبر الأسرة هى البيئة الأولى التى ينشأ فيها ضمير الإنسان من خلال ما يتعلمه من قيم ومبادئ سواء بالتلقين أو بالقُدوة، وإن كانت القُدوة لأشد تأثيرًا فى غرس المفاهيم والقيم والسلوكيات داخل الطفل من: الوالدين، والإخوة الكبار، والأجداد. وهٰكذا يكتسب الإنسان قدرته على التمييز بين الصواب والخطإ، والسلوك بحسب ما تؤمن به الأسرة، الأمر الذى يتفاوت فى المجتمعات بل بين بعض المناطق المختلفة فى البلد الواحد. أيضًا تؤدى العادات والتقاليد فى الأسرة التى تتأثر بالبيئة التى تعيش فيها دورًا كبيرًا فى تنشئة ضمير الإنسان؛ فهناك عادات تقبلها بعض المجتمعات ويُعد الخروج عليها أمرًا مرفوضًا، وله تبعات قد تصل إلى حد القتل! فى حين هى عادات وتقاليد مرفوضة فى مجتمعات أخرى وتقع تحت طائلة القانون؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر: الأخذ بالثأر، وزواج القُصَّر.
المدرسة: المؤثِّر الآخر فى تكوُّن ضمير الطفل يظهر فى المدرسة حيث يخرج الإنسان إلى مجتمع جديد يحمل ثقافات متنوعة، ويتعرض الضمير الإنسانى للقيم والمبادئ التى يجب اتباعها والسلوك بها من خلال المناهج الدراسية، وشخصية المعلم التى يكون لها تأثير كبير وبخاصة فى المراحل العمرية الأولى من حياة الطفل. وإذا توافقت المبادئ التى تقدمها المدرسة وما غُرس فى ضمير الإنسان فى الأسرة، فإن الضمير يتقوى ويتأصل فى شخصيته ؛ أمّا إذا تعارضت، بدأ الاهتزاز والاضطراب والصراع بين المبادئ المتعارضة وهو ما يؤثر بنحو كبير فى ضمير الإنسان وشخصيته.
الدين: أحد التأثيرات المهمة التى تقوم بدور كبير فى حياة الإنسان هى المؤسسات الدينية وخصوصًا فى المجتمعات الشرقية، إذ تحمل معها الفكر الدينى الذى يؤثر كثيرًا فى الضمير الإنسانى. فمن المعروف أن الإنسان المِصرى منذ القدم يتأثر بالمبادئ والقيم الدينية؛ حتى إننا بإطلالة سريعة على التاريخ المِصرى منذ القدم، يمكننا أن نتتبع ذٰلك الأثر: فعلى سبيل المثال اهتم الفراعنة أن تكون لهم السلطة الدينية مع سلطة الحكم.
الإعلام: ولا يمكننا أن نغفل تأثير الإعلام والأخبار التى تُنقل بين البشر فى الضمير وبالأخص الضمير الجماعيّ، إذ يُعد الإعلام أحد الوسائط التى تغرس المبادئ والقيم، بل تحرك المشاعر بقوة نحو قيام الإنسان بردود أفعال تجاه المواقف المتنوعة المارة به فى الحياة.
تُعد العوامل التى ذكرناها سابقًا فى تكوُّن الضمير وتنشئته وتهيئته ليست هى الوحيدة، فلا يمكننا أن نتغاضى عن دَور الثقافة والأزمات التى تمر بحياة الإنسان أو الشُّعوب وتأثيرها فى الضمير، ولٰكنها مرحلة البداية والأساس فى تكوُّنه. فإذا أردنا ضميرًا واعيًا سويًّا للأسرة، والمدرسة، والمؤسسات الدينية، والإعلام، فعلينا التكاتف والعمل على خلق ضمير إنسانى صالح يسعى نحو البناء والعطاء والعمل بإخلاص وجِد، وبرفض كل هدم وتدمير: إنها رسالة بها تُبنى الأمم وتعلو وترتفع نحو القمم.