تكلمنا فى مقالات سابقة عن “الألم”، ولماذا يتعرض الإنسان فى رحلة حياته للآلام، وتساءلنا عن: كيفية أن يقاوم البشر آلامهم، أوَيستثمرونه فى بناء شخصياتهم وتقويتها، أم أنه مبررهم فى التخاذل عن مسؤوليات الحياة؟! إلا أنه يتردد سؤال لكل إنسان: وما دَورك مع المتألمين؟ أما تعنيك معاناتهم فى شىء، أم تراك تعبر دُروبك متجاهلاً إياها؟! أتتوقف قليلاً متحسرًا على عنائهم، أم تمتد يدك لتساعد وتسنُد وتَعضُد؟! أحقًّا تقف فى الطريق وتتساءل: ماذا أفعل للمتألمين؟!!
بدايةً، كل من يتعرض لألم فى حياته فهو بقدر، فإن هناك من يعانى الآلام الجسدية، وهناك من يعانى آلامًا نفسية بسبب: فقر، أو فقدان أمل ورجاء، أو رفض، أو عدم محبة، أو ألم من أجل أحباء… إلخ، وذٰلك فى وقت ما من العمر. لذٰلك، أسرع بيد المعونة فى وقت قوتك ليُرسِل إليك الله من يَعضُدك فى وقت شدتك. لا تكُن سببًا فى إيلام أحد، فكما يقول مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”: “إن لم تستطِع أن تحمل عن الناس متاعبهم، فعلى الأقل لا تكُن سببًا فى أتعابهم.”، وقيل أيضًا: “إذا لم تستطِع أن تترك أثرًا جميلاً فى القلوب، فلا تزرع فيها ألمًا لا يُنسى.”. أمّا ما يمكن أن تفعله للمتألمين، فما أكثره! ولٰكن عليك أن تتفهم سبب آلامهم لتستطيع أن تساعدهم بإيجابية.
فإن كنتَ صاحب علم أو قدرة فى مجال ما، فما عليك إلا أن تقوم بواجبك بأمانة وإخلاص، فإن ذٰلك يساعد كثيرين فى تخطى آلامهم. وأمثلة عديدة فى مجال العلم والاكتشافات ساعدت كثيرين، مثل: “ألكسندر فلمنج” مكتشف البنسلين، و”وليام مورتون” مخترع التخدير ومكتشفه الذى شُيد له تمثال قرب مقبرته ونقش عليها: “«وليام مورتون» مخترع التخدير ومكتشفه عن طريق التنفس، مما أدى إلى تخفيف الألم عند إجراء العمليات الجراحية، وكانت الجراحة قبله عذابًا…”، وكثيرون غيرهم.
أيضًا يمكنك أن تساعد إنسانًا متألمًا بمواهبك وإمكاناتك وفكرك الذى وهبه الله لك: فيوجد من يحتاج إلى إرشادك لينطلق فى الحياة ويشق طريق النجاح، ومن يحتاج إلى كلمة طيبة تبعث فيه الأمل فى الحياة، أو كلمة تشجيع تعيد إليه ثقة افتقدها، وتجد أيضًا فى الطريق من يحتاج إلى أن تستمع إلى كلماته وأنّاته فيشعر بالمحبة والأمان ما يساعده على الهدوء وتخطى أزمته وآلامه.
أمّا الأمر الرائع هو أن تحتمل وتشارك الآخرين آلامهم. أتذكّر سطورًا عبّرت عن المحبة الحقيقية تحكي: “أسرعت تفتح الباب، وهى تسمع طرقات سريعة، لتدخل جارتها فى فزع وهى تقول: لقد تأخر ابنى ولم يعُد حتى الآن! ولا أعرف أين ذهب! سأخرج فى البحث عنه. تفزع صاحبة المنزل وتخبر جارتها أنها ستخرج معها للبحث عن الصبيّ، فتُغلق الباب خلفها وتخرج مسرعة معها، مع أنها تعرِف مثل الجميع أنه مات قبل زمن.”!!! لقد ظلت تلك الجارة الصديقة تشارك صديقتها وتحمل معها ألمها، غير راغبة فى تركها وسْط آلامها؛ إنها المحبة الحقيقية.
إن أردت أن تُعطى وتقدم وتساعد، فاعلم أن سر ذٰلك يكمن فى المحبة الحقيقية.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى