حين ننظر إلى مشهد “الميلاد” الذى يُحتفل به غدًا فى الشرق، لا نرى فيه إلا ذٰلك التواضع الشديد والبساطة العميق : فقد وُلد السيد المسيح من عذراء فقيرة ليعتنى بهما كليهما شيخ عجوز نجار فقير أيضًا! ووُلد فى مذود فقير إذ لم يكن “للسيدة العذراء” مكان لتضع فيه طفلها: “وأضجعته فى المذود اذ لم يكن لهما موضع فى المنزل”، ومن أُعلن له هٰذا “الميلاد” كان مجموعة من الرعاة البسطاء الذين يقومون بحراسة رعيتهم أثناء الليل، حين ظهر لهم ملاك الرب وهم ساهرون ليبشرهم بميلاد السيد المسيح ويرشدهم إلى مكانه: “لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم فى مدينة داوُد مخلص هو المسيح الرب. وهٰذه لكم العلامة: تجدون طفلـًا مُقَمَّطـًا مُضجَعـًا فى مذود.”؛ وهٰكذا نرى فى وقائع “الميلاد” أن اهتمام الله الأول فى حكمه على الإنسان مُنصَبّ على تواضعه ومحبته وأمانته، فإن جميع الذين دُعُوا إلى رؤية “طفل المذود” كانوا من أصحاب القلوب المتواضعة الأمينة، وفى الوقت نفسه من ذوى النُّفوس العظيمة أمامه؛ فاستحقوا أن تُعلِن لهم السماء بشارة الفرح والسلام ويعاينوا السيد المسيح.
لقد اهتمت السماء فى “الميلاد” بتلك الأنفس التى لا يذكرها أحد ـ كالرعاة؛ وهٰذا يذكرنى بقصة واقعية قرأتُها عن الميلاد حدثت فى “روسيا” بأحد الملاجئ عام ١٩٩٤م مع اقتراب “عيد الميلاد”: حين قررت إدارة الملجإ أن تقدم قصة “الميلاد” للأطفال الذين كانوا يعانون مشاعر الإهمال والحرمان. وفى اليوم المحدد، حضر شخصان قدَّما قصة “الميلاد” متحدثَين عن “يوسف النجار” و”مريم العذراء” وسفرهما إلى “بيت لحم”، وعدم عثورهما على غرفة ليُقِيما فيها ؛ فذهبا إلى حظيرة للحيوانات حيث ولدت “السيدة العذراء” السيد المسيح ووضعته . استمع الأطفال إلى القصة فى اهتمام شديد ، ثم قام الشخصان بتقديم بعض القطع الكرتونية لكل طفل ليقوم بعمل مذود ويضع فيه طفلًا. وبينما يتمشى أحدهم بين الأطفال لمساعدتهم ، توقف حيث طفل صغير فى السادسة يُدعى “ميشا” وجده قد وضع داخل مذوده طفلين لا طفلًا واحدًا!!
سأل الرجل الطفل “ميشا”: لماذا طفلان فى المذود؟ توقف الطفل لحظات، وهو ينظر إلى المذود، ثم بدأ يسرُد قصة “الميلاد” ـ كما تلقنها قبل قليل ـ إلى أن وضعت “السيدة العذراء” طفلها فى المذود. ثم استكمل ميشا” قصته هو فقال: “عندما وضعت «العذراء مريم» الطفل فى المذود، نظر يسوع إلى وسألني: هل عندى مكان أقيم فيه؟ فقلتُ له: أنا ليس لدى “ماما” وليس لدى “بابا”، ولذٰلك ليس لدى أى مكان لأقيم به. وبعد ذٰلك قال لى يسوع إنه يمكننى البقاء معه. كان “ميشا” يريد البقاء معه، وظنه يحتاج إلى هَدية فقرر أن يكون معه فى المذود ربما ليقدم له بعض الدفء! ويستكمل “ميشا” حديثه: وهٰكذا، دخلتُ أنا إلى المذود!! ونظر يسوع إلى وقال لى إنه يمكننى أن أبقى معه دائمًا. وعندما انتهى “ميشا” الصغير من قصته، فاضت عيناه بالدُّموع التى أخذت تنساب على وجنتيه.
كل عام وجميعكم بخير، متمنيًا أن تكون رسالة الميلاد فى هٰذا العام تقديم المحبة والاهتمام بكل إنسان وبالأخص أولٰئك الذين ليس لهم أحد يذكرهم .