الإبداع، الجمال، التميز: جميعها صفات يبحث عنها الجميع لتصبح سمة ما يقدمونه من أعمال ونجاحات، لٰكن ما لا يُدركه كثيرون أن النجاح الذى يملك تلك السمات ليس وليد مصادفة فى حياة الإنسان، ولا هو عمل يوم أو ربما بضعة أيام، بل هو طريق وأسلوب للحياه . فالتميز والإبداع لا بد لهما من العمل والجُهد والكد والتدريب لاكتساب المهارات التى تساعد على تحقيقهما. وهٰذا ما يصنع الفارق بين إنسان وآخر فى الحياة، بين شخص سطحى وآخر له عمق فى الحياة؛ فهناك من يسلك على الدرب الذى مهده آخرون فى الحياة، وهناك من يصنع الطريق.
قرأتُ قصة أعجبتنى عن أحد الأباطرة الذين حكموا “اليابان” قبل زمن بعيد، طلب من رسام يتمتع بموهبة كبيرة أن يرسُم له لوحة لطائر ليضعها فى قصره. انتظر الإمبراطور استلام اللوحة من الفنان، وهو يعتقد أنه سيحصل عليها فى غضون أيام قليلة، ولٰكن أخذت الأيام تمضى والسنوات تمر دون أن تجد اللوحة سبيلها إلى قصر الإمبراطور!
وفى أحد الأيام قرر الإمبراطور أن يذهب بنفسه إلى الفنان ليعرِف ما حدث فى أمر اللوحة التى سبق أن طلبها. وعند وصول الإمبراطور، استقبله الرسام بابتهاج وفرح لا يوصفان. وهنا سأل الإمبراطور عن لوحته، فجاءت إجابة الرسام: إذ طلب من الإمبراطور أن ينتظر خمس عشْرة دقيقة حتى يستلم تلك اللوحة. وافق الإمبراطور، ظانًا أن الفنان قد بدأ برسم اللوحة ويقوم بالانتهاء منها فقط، لٰكنه فوجئ بالرسام يلتقط فرشاته ويبدأ فى وضع خُطوط لوحته لينتهى منها فى دقائق معدودات تحفةً فنيةً رائعةً لا تماثلها لوحة أخرى!! تعجب الإمبراطور الذى تطلع إلى اللوحة منبهرًا بجمالها، وسأل الرسام عن تأخر اللوحة طيلة تلك السنوات، فى الوقت الذى لم تأخذ منه فى الحقيقة سوى بضع دقائق.
ابتسم الفنان للإمبراطور، وطلب إليه أن يصحبه إلى إحدى الغرف الملحقة بمرسمه . وإذا الدهشة تَعقِد لسان الإمبراطو : وجد نفسه فى حجرة متسعة تمتلئ بلوحات أخرى كثيرة جدًّا رسم الفنان فى بعضها أعين طيور، وفى غيرها أجنحتها، وأخرى لأرجلها … إلخ. فتساءل الإمبراطور عن تلك الصور، فأجابه الفنان: منذ أن طلبتم، يا جلالة الإمبراطور، لوحة الطائر، وأنا أقوم بجمع هٰذه الصور، متأملًا إياها لكى ما يمكننى أقدم لجلالتكم لوحة مميزة؛ وفى تلك اللحظة، أدرك الإمبراطور أن لوحة ذٰلك الفنان ليست وليدة الدقائق التى قضّاها فى رسمه ، بل هى ثمرة عمل وجَهد امتدّا سنوات طوال فاستحقت أن تكون إبداعًا.
عزيزى: ابحث عن الإبداع والتميز فى حياة العظماء ، تجد أنه نتاج عمل وجَهد طويلين، إنه ثمرة ما قام المبدع بزراعته عبر سنوات طوال فى بناء فكره وشخصه، فى: قراءات، وتأملات، وتجارب، وعمل لا يتوقف؛ إنه العمق الحقيقى فى حياة كل إنسان. وهٰكذا قبل أن تبحث عن الثمار اليانعة التى يشيد بها من حولك: هل قمت بتعميق ذاتك وبنائها؟
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ