تحدثنا فى المقالة السابقة عن أولٰئك الذين يسيرون فى طريق الحياة، وهم يحملون وهْم الفشل والخوف منه فيبتعدون عن المحاولة لتحقيق أى تقدم فى حياتهم، منتظرين قطار النجاح أو ما يُطلق عليه “فرصة العمر”؛ كما تحدثنا عن أولٰئك الذين يتعثرون فيتوقفون مملوئين إحباطًا ويأسًا. واليوم، نتحدث عمن قرر فى أعماقه أن لا بديل عن الوصول إلا إلى تحقيق أهدافه، ولسان حاله يقول مع الكاتب الأمريكى ديل كارنيجى “Dale Carnegie”: “أنا مصمم على بُلوغ الهدف: فإما أن أنجح…، وإما… أن أنجح.”!!! فتجده يحاول ويتعثر، ليُسرع بالنهوض ويحاول من جديد بأسلوب جديد، لتعترضه رياح أشد! ولٰكنه يستمر ويُصر إلى أن يُتقن الإبحار وسط عواصف الحياة، لا حياته هو فقط بل حياة آخرين!! وهٰذا هو “تحدى الحياة”.
هذا التحدى يماثل قصة ذٰلك الإمبراطور الذى اعتلى عرش “اليابان” فى زمن ما؛ وكان يملِك قطعة من النقود يُلقيها قبل خوضه الحُروب، معتقدًا أنها تُعلن له ولجنوده نتيجة الحرب، فكان يرميها على مرأى ومسمع من جنوده فى الهواء: فإن استقرت ووجها العلوى “الصورة” أعلن لجنوده أنهم “سينتصرون”، أمّا أن كان “الكتابة” فكان هٰذا يعنى الحظ العاثر لهم وإعلانًا أنهم “سيهزمون”. وفى ظل حياة ذٰلك الإمبراطور، كان أمر غريب: فلم يأتِ إلقاء العملة يومًا ما بالكتابة قط! بل كانت دائمًا ما تأتى بالصورة مما كان يشعل الحماسة فى نُفوس الجنود فيقاتلون بشدة وبأس حتى يحققوا الانتصار.
ومرت السنة تَلو الأخرى، والإمبراطور مع جيشه يحققان الانتصارات، إلى أن تقدم به العمر وبدأ يودع هٰذا العالم، تاركًا شُؤون بلاده لابنه الذى سيمسك بمقاليد الحكم من بعده؛ وبينما هو يعانى سكرات الموت، دخل إليه ابنه إمبراطور البلاد من بعده، وطلب إليه أن يهب له قطعة النقود كى يتمكن من استكمال مسيرته وانتصاراته التى أحرزها فى حياته. قدم الإمبراطور قطعة النقود لابنه الذى أمسك بها بفرح عظيم ونظر إليها ليجد تلك “الصورة” التى تُعلن الانتصار، ثم حولها على الوجه الآخر ليطلع على شكل “الكتابة” الذى لم يشاهده طوال حياته والذى يُعلن الهزيمة: فإذا هو الصورة أيضًا!! اضطرب الابن جدًّا حين أدرك أن وجهَى العملة هما على “الصورة”، وقال لوالده: لماذا، يا أبى، كل تلك السنوات من الخداع؟! لا تطاوعنى نفسى أن أُكشف خداعك لجُنودك ورعيتك! أجاب الإمبراطور ابنه: أنا لم أخدع أحدًا. لكنها إحدى قواعد الحياة! فعندما تخوض المعارك، ليس أمامك سوى خيارين: إما ”الانتصار”، وإما “الانتصــار”!!! فالانتصار يتحقق عندما تثق به، وتفكر فيه متهيئًا له، وتعمل بكل قواك من أجل تحقيقه. أمّا أن وُضعت الهزيمة أمام عينيك أو فى فكرك فحتمًا تنالها!
إن “تحدى الحياة” لا يواجه الجسد والنفس فقط بل هو أيضًا روحى: فحين يقرر الإنسان السير فى الطريق الروحى، متّبعًا وصايا الله فى المحبة والرحمة والعطاء والأمانة، فحتمًا تعترضه عقبات كثيرة من مفاهيم مغلوطة أو أشخاص ملأ الشر قلوبهم، وهى لا تتوقف، ولٰكن الله ما يزال وسيظل حاضرًا وضابطًا عاضدًا كل عمل للخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسيّ