في الحياة، يظل الجميع يبحثون عن النجاح وتحقيق ما يتمنَّون من أحلام، وتمضي السُّنون ببعضهم ليحققوا ما أرادوا، وآخرون لا يمكنهم الوصول إلى أحلامهم على أرض الواقع. وكلما مرت الأيام بشخص، ازدادت علامات الزمن بلَونه الأبيض على رأسه وتضاءلت الآمال في تحقيق ما كان يرجوه في الحياة، إلى أن يصل عند نقطة “اليأس” فيتوقف. وإحدى حقائق الحياة التي يغفل عنها أذهان كثيرين ـ والعجيب أنهم في الوقت نفسه يرددونها ـ هي عبارة: “لا يأس مع الحياة”، وقد تحولت كلماتها في حياة فئة غير قليلة من البشر إلى مجرد أصداء تتردد دون أن تعمل في حياتهم عملاً واقعيًّا!! وهٰكذا يسيرون في الحياة وهم يظنون أنهم يحيَون، في حين أن اللحظة التي يستسلمون فيها لليأس تكون هي لحظة تخليهم عن الحياة وفقدانهم معناها.
وحديثي اليوم عن اليأس الذي ينتاب من تمضي به أيام العمر حتى يفيق وهو قد صار في العَقد الخامس من عمره، فتكون ذريعة له لأن يتوقف عن محاولات إنجاز النجاح. يقول الكاتب الأديب الفرنسيّ فيكتور هوجو “Victor Hugo”: “إن سن الخمسين هو سن الشباب في مرحلة الكِبر”! لذٰلك دعونا نقلب صفحات التاريخ ونستعيد وقائعه في حياة بعض شخصياته، وعلى سبيل المثال: “فرانك ماكورت””Frank McCourt” ولورا إينجلس وايلدر “Laura Ingalls Wilder” اللذان ذاع صيتهما في مجال كتابة القِصص والروايات بعد تخطيهما سن الستين.
عاش “ماكورت” “McCourt” (1930- 2009م) حياة عادية يعمل فيها مدرسًا في إحدى المدارس الثانوية في “نيويورك”، إلى أن أصبح كاتبًا وروائيًّا لامعًا بعد أن أصدر روايته “رماد آنچيلا” وهو في السادسة والستين! لقد كان يشعر طوال عمره أنه يريد أن يكون كاتبًا، وقد جاء اليوم الذي صار فيه كاتبًا بارزًا يؤثر كثيرًا في “الأمِريكيِّين” من أصل أيرلنديّ، نائلاً عن روايته جائزتين: “Pulitzer Prize” وجائزة “رابطة النقاد الوطنية”. ويقول “فرانك ماكورت”: “يمكنك أن تصنع شيئًا جيدًا، مهما كانت الظروف المحيطة بك.”.
أيضًا نجد “وايلدر” Wilder” (1867- 1957م): حققت نجاحها في الحياة بنشر سلسلة قِصصها الشهيرة: “المنزل الصغير على المرج”، وقد عمِلت بالتدريس وهي ما تزال في السادسة عشْرة لمساعدة أسرتها ماديًّا؛ وفي الثامنة عشْرة، تزوجت وأمضت حياتها عشَرات السنوات في أعمال الزراعة مع زوجها، في كفاح من أجل الأسرة، إلى أن بدأت في الكتابة عام 1910م، واستطاعت نشر الكتاب الأول من سلسلة قِصص الأطفال وهي في الخامسة والستين من عمرها لتُتبعه بكتابات أخرى!!
إن مَِحطات الألم والتعب واليأس يجب أن يمر بها قطار أيامنا، ولٰكنه لا بد أن يغادرها سريعًا حتى لا يفقد قيمة الزمن الموهوب له؛ لذٰلك: حين تجد أن اليأس يتصدر فكرك، فتذكَّر ما قاله أحدهم: “لا تيأس عندما لا يتحقق لك أمر، بل حاول مِرارًا وتَكرارًا؛ فقطرة المطر تَحفِر الصخرة بالتَّكرار، لا بالعنف.”. إن الهزيمة الحقيقية في الحياة هي أن يتملكك اليأس.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ