“تمنى لو أنه لم يلتقِ من كان يومًا صديقًا له، تجمعهما الآمال والأحلام؛ ففى غفلة من الزمان، أصبحت صداقتهما دربًا من الخيال لا وجود له، وتكوَّنت عَلاقتهما من جديد لتصبح نوعًا من التصارع الذى يفتقد كل معانى الود الذى كانت تحمله شجرة الصداقة. ظلت المواقف تتوارد فى مُخَيَّلته، تصطحبها عبارات المحبة والإخلاص اللذين طالما نطق بهما كليهما؛ ليطفو سؤالان أمام عينيه ظلاَّ يترددان فى أعماقه: لماذا كل ما حدث؟! كيف؟! وظلت تتعالى الكلمات، إلى أن اقتحمت مشاعره موجة غضب هائلة شتت جميع أفكاره، وهى تحمل كلماته: ليتنى لم ألتقِهِ يومًا! ليتنى لم ألتقِهِ يومًا!”.
كثيرًا ما يمر بخاطر الإنسان مثل تلك التساؤلات التى تحيط عَلاقاته بالآخرين، ومثل تلك الأمنيات التى تتكرر فيها عبارة: “ليتنى عرَفتُ!”، أو: “ليتنى ما عرَفت!”. إلا أنه علينا أن نُدرك أن الحياة دائمًا وأبدًا هى رحلة ـ نعم ـ رحلة طالت أو قصرت، تلتقى فيها أنواعًا متعددة من البشر، كلٍّ يحمل شخصية متمايزة لا تتكرر؛ منها من تحمل من جمال الصفات ما يجعلك تتمنى أن لا تفارقك رحلة طريقك، ومنها من ترغب فى أن تتركك مع أولى مِحطات الطريق! ولٰكن كل إنسان تلتقيه فى حياتك هو يقدم لك جزءًا من خبرات الحياة؛ ففى تَرحالك تُدرك كما يقولون: “أن هناك دَورًا لكل شخص تقابله: بعضٌ يحبك، وبعضٌ يعلمك، وبعضٌ يختبرك”!
قبل أن أعرض سريعًا لبعض أنواع مما تلقاهم فى رحلتك، يجب أن أوضح نقطة مهمة: إن البعض يعتقد أنه يمكنه فى الحياة أن يدخل فى تعامل مع نوع واحد من البشر هو يختاره، أو أنه يستطيع تحديد معاملاته مع من يحبه فقط؛ ليست هٰذه ولا تلك واقعية الحياة؛ فأنت تُعامل أنواعًا كثيرة من البشر، ويجب أن تتعلم كيفية أن تفهم حقيقة كل نوع، وأسلوب معاملته، ومساحة وجوده فى حياتك.
بعضٌ يحبك
فى دربك، تلتقى أناسًا بسطاء، طيبين، تمتلئ قلوبهم بالمحبة لك وللجميع، يقدمون كثيرًا من العطاء لمن يلتقيهم، يحملون فى أعماقهم جذور الخير فلا يحاولون إيذاء إنسان مهما كانت تصرفاته؛ كل ما يفعلونه أنه يتجنبونه، لٰكنهم ما يزالون يحملون المحبة له؛ إنهم أصحاب القلوب النقية التى يفوح عبيرها فى رحلة الحياة.
أيضًا تلتقى أناسًا أمناء، مخلصين، تعلموا الالتزام وتحمُّل المسئولية، واعتادوا أن يبذُلوا كل جُهد من أجل ما وُضع عليهم من مسئوليات، ولسوف تجد أن مثل ذٰلك النوع لا يحتاج أن تذكِّره بما عليه من واجبات، بل هو يُسرع إلى أدائها إذ هو يسعد بإتمامها على خير وجه، وخصوصًا إن كان يقدمها لمن يكِنّ له المحبة فتكون سعادته فى اكتمال ذٰلك العمل الذى يؤديه وفى إسعاد من يقدمه إليه؛ يذكرنى هٰذا النوع بكلمات كتبها الكاتب الأديب الشاعر “جُبران خليل جُبران” فى إحدى رسائله: “أليست الفضيلة نفسها جزاء الفضيلة؟”؛ هٰؤلاء هم القلوب المشجِّعة على التقدم فى درب الحياة.
وللحديث بقية …
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى