استكملنا في المقالة السابقة “غذاء المبادئ” الحديث عن بعض المحبين الذين تلتقيه في رحلة الحياة، الذين منهم: من يمتلئ بالمحبة، ومن يملِك قلبًا مُفعمًا بالرجاء فقدمه أنشودةً للآخرين، وصاحب القلب الواسع الحمول الحامل في أعماقه ملامح الإنسانية، وذو القلب الصادق الذي يقدم النصيحة الخالصة. واليوم نتحدث عن آخرين نلقاهم في رحلة الحياة.
بعضٌ يعلمك
إن كانت الحياة رحلة يتعلم فيها الإنسان ويكتسب الخبرات مع كل خطوة يتقدم إليها في الطريق، فإن الأشخاص الذين نلتقيهم في الرحلة يقدمون لنا كثيرًا من الدُّروس؛ بعض منها يُسعدنا، وبعض آخر يؤلمنا، لٰكنها في النهاية تتراكم في أعماقنا رصيد خبرات وحكمة من السنين. ومع ما نكتسبه من معرفة وخبرات علينا أن نُدرك أن جميع ما يمر بنا من أفراح أو آلام فهو بلا شك إلى نهاية؛ لذٰلك فإن ما يتبقى لنا هو ما تعلمناه إذ يوجه خطواتنا وقراراتنا التالية. أمّا من يترك الدرس الحقيقيّ، وينشغل بالمشاعر التي تمر به، فإنه يكون كمن يطوف حول نفسه دون أن تتقدم خطواته في الطريق!
إلى جانب ما يتعلمه الإنسان من الأمناء والمخلصين الذين يحبونه، فإنه يتعلم من الحكماء الذين يمرون بحياته وإن كانوا قليلين؛ إنه حقًّا لسعيد ذلك الإنسان الذي يلتقي شخصًا حكيمًا في حياته فهو أحد هبات الحياة التي لا تتكرر كثيرًا. والإنسان الحكيم يقدم لك دُروس الحياة الثمينة التي تجنبك كثيرًا من مخاطر الطريق، دُروسًا تهب لك بصيرة تضيء لك ما يغشاك من عدم إدراك أو فَهم، مَثلها مثل المنارة التي ترشد السفن في ظلمات البحر التي تكتنفها. يقول الحكيم: “شريعة الحكيم ينبوع حياة للحَيَدان عن أشراك الموت.”، و”الحكيم عيناه في رأسه، أمّا الجاهل فيسلك في الظلام.”؛ من أجل هٰذا، إن التقيت حكيمًا فاستمع جيدًا إلى كلماته حين يحدثك إذ قَطعًا لديه ما يمنحك إياه، وكما ذكر الفيلسوف اليونانيّ “أفلاطون”: “الرجل الحكيم يتحدث لأن لديه شيئًا يُريد أن يقوله، في حين الأحمق يتحدث لأنه يُريد أن يقول شيئًا”! ولا تحزن أو ترفض حين تسمع انتهارًا منه لشخصك، فكما قيل: “سمْع الانتهار من الحكيم خير للإنسان من سمْع غناء الجهال”، فإن شدة الحكيم معك قد تُنقذ حياتك بأسرها، على حين تدليل الجهال لن يؤدي إلا إلى تِيهك. أيضًا يمكنك أن تتعلم من أفكار الحكماء التي خُطت في الكتب وسجلتها الأيام، فإن ذٰلك يمنحك كثيرًا من المعرفة التي بممارستها تكتسب بدورك خبرة وحكمة.
أيضًا هناك شخصيات تمر بك في معترك حياتك تود لو أنك ما التقيتها أبدًا! ربما لِما تسببه هي لك من آلام أو أحزان، ولٰكنها تعلمك أدق دُروس الحياة إذ تفتِّح بصيرتك على ما بك من ضعف أو أخطاء أو سوء تقدير للأمور، فتتعلم وتتقن فن تخطي عقبات المسير في رحلة الأيام. وللحديث بقية …