تحدثنا في المقالة السابقة عن الجمال الذي وضعه الله في الإنسان، وأن أفضل ما يمكن أن يقدمه البشر هو جمال الخير والمواهب والإنسانية! ذٰلك الجمال الذي يترك آثارًا لا تستطيع الأزمان أن تَمحيها. إنه جمال الأعماق الداخلية التي تسطع أضواؤها في سماء الحياة.
وهٰذا الجمال ينعكس أيضًا على حياة صاحبه فيجعلها تُزهر ثمار النجاح في كل ما يعمل. أتذكر قصة أحد المزارعين الذي كان يعتني بزراعة أرضه مهتمًّا بهما اهتمامًا كبيرًا، فكان يقضّي وقتًا طويلاً في عمله بحب،باحثًا عن كل ما يمكنه أن يقدمه من أجل نمو نباتاته وإثمارها على أفضل وجه، إلى أن استطاع أن يحقق نجاحًا متميزًا بالحصول على الجائزة المقدمة عن “أفضل ثمار الذرة” التي تقام في بلدته كل عام. استرعى فوز ذٰلك المزارع انتباه أحد الصِّحافيِّين فسأله عن سر فوزه الدائم بالجائزة. بدأ المزارع يوضح للصِّحافيّ اهتمامه بزراعته وعنايته بها، وظلا الاثنان يتحادثان إلى أن ذكر المزارع أنه يتبادل بذور الذرة هو وجيرانه! وعندئذ تعجب الصِّحافيّ جدًّا، سائلاً المزارع: كيف تقدم بذارك الجيدة إلى جيرانك، خاصةً أنك تعلم أنهم يشاركونك المسابقة، ومن ثَم ينافسونك منافسة شديدة؟! وأردف: ألا تخشى أن يتفوقوا عليك؟! نظر المزارع إلى الصِّحافيّ مبتسمًا، وأجابه: سيدي الفاضل، أما تعلم أن الريح تأخذ بُذور اللَّقاح و تُلقي بها بين الحقول؟! وبذٰلك: إن قام جيراني المزارعون بزراعة بُذور رديئة، فسوف يؤثر ذٰلك سلبًا في زراعتي وثماري إذ تنتشر بُذور اللَّقاح الرديئة عليها؛ وهٰكذا إن رغِبتُ أن تكون ثمار محصولي جيدة، فيجب أن أقدم أفضل أنواع البُذور إلى جيراني!! وهنا أود التوقف عند بعض النقاط:
-
إن طريق الحياة لا يتسع لشخص واحد فقط، يسعى فيه منفردًا، إنما هو لكثيرين، حيث يتشاركون ويتمتعون بالمسير فيه معًا متى ملأت قلوبهم المحبة والتعاطف والتشارك. وما أصعب الطريق التي يجد الإنسان فيها نفسه وهو يخطو وحيدًا!
-
لقد أدرك المزارع أن جودة ثماره تتأثر حتمًا بالبُذور التي يغرسها جيرانه؛ فقرر أن يقدم لهم أفضلها؛ فكانت النتيجة تحسن المحاصيل عُمومًا ونجاح محصوله هو خصوصًا؛ هٰكذا تكون الأمور في رحلة الحياة حين يبحث كل منا عن النجاح والسعادة في الحياة: علينا أن نتعلم أن تحقيقهما يصعب عندما يكون الجُهد فرديًّا، ويسهُل عندما يشدد كل منا من أزر الآخر. ألم يحدث يومًا أن مددت يدك لمعاونة أحد فجاءت ثمار عملك بالسعادة والنجاح إليك أنت أولاً؟!
-
قد يُخطئ بعض الناس في فَهم معنى التنافس، ويحصره في معنى الفوز أو الخَسارة. إن الحياة ليست مسابقة تحتاج إلى فائز واحد ـ وإن كنت أعتقد أنه يكمن خلف أولٰئك الفائزين فريق عمل متكامل يساعده في تحقيق النجاح ـ لٰكنها قضية يتشاركها الجميع: فإن حاول أحدهم تحطيم الآخر، فلن يكون سوى دمار العائلة الإنسانية الواحدة، وإن تعاون كلٌّ وزميله متشاركَين، فستنال الإنسانية وسام النجاح؛ وذٰلك هو التحدي الحقيقيّ في الحياة.