يمضى الإنسان فى الحياة ويسير فى دربها حيث تُسرع خَطواته تارةً وتتعثر تارةً أخرى، والإنسان الذى يعرف معنى الحياة ويعيشها هو ذٰلك الشخص الذى يصنع من التعثر نجاحًا مُبهرا، هذا ما صنعه أبطال أكتوبر.
ففى ذكرى انتصارات أكتوبر التى يحتفل بها المِصريُّون هذه الأيام، تعود بنا الذاكرة إلى ذلك اليوم الذى قدّم فيه المِصريُّون إلى العالم أيقونة “مِصر والمستحيل”، فقد حول أبطال أكتوبر الهزيمة إلى نصر، وهذا ليس بالأمر المستحيل على المِصرى الذى يشهد التاريخ عن محبته حتى الدم لبلاده، وعن عبقريته التى قدم بها الحضارة إلى العالم.
هنا أتذكر كلمات قرأتُها فى إحدى الصحف عن أحد التقارير التى أعدتها القناة التليفزيونية الخاصة بسلاح الهندسة التابع للجيش الإسرائيليّ، فى الذكرى الرابعة والأربعين لحرب أكتوبر: فذكروا أن الجيش المِصرى حقق انتصارًا عسكريًّا لم يكُن من قبل، وأن حرب أكتوبر قد غيّرت سُمعة الجيش الإسرائيلى من “جيش لا يُقهر” إلى “جيش تحت الإنشاء”!! لقد كانت خسائر “إسرائيل” فى العتاد فادحة، ووصل عدد القتلى من الجُنود والضباط إلى ما يربو على الألفين، ناهيها بالأسرى والجرحى والمفقودين.. نعم: هٰذه هى قدرة المِصريِّين الكامنة فيهم، وتستطيع تحقيق مزيد من المعجزات بالعمل الأمين، وبالإرادة المتقدة التى لا تهتز أو تتزعزع أمام ما تصادفه من كبوات. وكما يذكر الكاتب المسرحى الفرنسى “چان أنويه”: “يمكن الرجال أن يخلقوا المعجزات الحقيقية: فقط متى أحسنوا استخدام مواهبهم وعقولهم”؛ فالأعمال العظيمة تتحق، لا بالأمنيات، بل بالعمل والإخلاص وتكمن خلفهما محبة حقيقية غامرة تَشدُد من أزر الإنسان لاستكمال المسير نحو تحقيق أهدافه.
إن “مِصر” تحتاج منا إلى الحب العامل بالأمانة والإخلاص، وتحضُرنى كلمات المتنيح مثلث الرحمات “البابا شنودة الثالث” فى وطننا “مِصر”:
… ونرضيه ونحب كل ما فيه
نحب نيله وأراضيه
وشوارعه وحواريه
ومزارعه وصحاريه
نحب صُناعه وفلاحيه
نحب حاضره ومستقبله وماضيه
نحب علماءه ومرشديه
نحب أقباطه ومسلميه
نحب هٰذا الوطن حين يرضى وحين يغضب
نحبه حين يمنح وحين يمنع
نحبه أثناء نكسة يونيو 67
ونحبه فى انتصار أكتوبر سنة 73
نحب فراعنته أجدادي
وأحب أرضه أرض ميلادي
أحب نيله ليس فقط وهو يجرى فى الوادي
بل حينما يجرى فى فؤادك وفؤادي
وبقوة تلك المحبة الجياشة فى صدورنا يمكننا أن نحقق مزيدًا من الانتصارات لبلادنا فى مجالات الحياة كافة.. إن المعارك، لا التى يُحمل فيها السلاح فقط، بل هى كل عمل وتشييد يُعوِز “مِصر” فى كل زمان. كل عام وجميعكم بخير، فى ذكرى انتصارات أكتوبر التى حققتها الإرادة المِصرية النابعة من فيض حب امتلأت به قلوب المِصريِّين نحو بلادهم، ليعبروا بها كبوتها، ويصنعوا لها نصرًا عظيمًا.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى