يقولون: “صادِق نفسك وكُن صادقًا معها”. في طريق الحياة نجد من يسير مفتقدًا ذاته الحقيقية، لا يُدرك أعماقها، فيسلك دروبًا لا تناسبه ثم يعتقد أنه فشِل!! وفي حقيقة الأمر هو لا يعرف ذاته المعرفة الحقَّة التي تدعم معاني السعادة والنجاح في رحلة حياته: إنه من هٰؤلاء المعتقدين أنهم يملِكون ما لا يملكه الآخرون وهٰكذا يرون أنفسهم أنهم الأفضلون، أو أنهم يعتقدون أنهم هم والبشر جميعًا متطابقون في الشخصية، غير مدركين معنى تمايز كل إنسان وتميزه عن الآخر المؤدي إلى التكامل المبدع في حياتنا ومن ثَم لا يبحثون عما يتميزون هم به فتصير حياتهم بلا معنى؛ أو هو من أولٰئك الذين لا يُدركون أيّ شيء عما يمتلكونه من إمكانات فينظرون في أنفسهم نظرة دونية عن الآخرين!! وفي الأحوال الثلاثة هم يسيرون بدوافع خاطئة في طرق حياتهم، وحتمًا لن يحققوا أيّ وجود أو نجاح. ولذا قيل: “أفضل تعريف لذاتك: هو أنك لستَ أفضل من أحد، ولستَ كأيّ أحد، ولستَ أقل من أحد.”.
لستَ أفضل
علينا أن نُدرك أن لكل إنسان ما يميزه من جوانب القوة التي تشدد من أزره في مسيرة أيامه، وما يعانيه من نقاط الضعف التي يحتاج إلى تخطيها وتحويلها إلى مواطن قوة. أيضًا كل إنسان له إبداعاته في أمور تتنوع عن تلك التي للآخرين، ولم يوجد حتى الآن ذٰلك الإنسان الذي يملِك من القدرة ما يمكّنه من فَهم جميع أمور الحياة والتعامل إزاءها جميعًا وحل جميع مشكلاتها بكفاءة عالية؛ لذٰلك لا نجد شخصًا أفضل من شخص آخر، وإنما شخص يتميز في مجال ما عما يتميز غيره في مجال آخر، وهٰذا التميز لا يجعل له أفضلية عمن سواه.
لستَ كأيّ أحد
من نعم الله ـ تبارك اسمه ـ على الإنسان: أنه لم يخلق الجميع صورًا كربونية واحدة بعضهم من بعض، بل كل إنسان يتميز بمواهب تختلف عن تلك التي يتميز بها الآخر. بل في المجال الواحد لا تجد تماثلاً بين شخصين! وعلى سبيل المثال: في مجال الأدب، تجد لكل كاتب فكرًا وأسلوبًا ورؤية ومعالجة للقضايا يتميز به عن الآخرين، وفي فن كالرسم، تجد كل لوحة تحمل بين خطوطها وألوانها رؤية ومشاعر وأفكارًا تعبّر عن شخصية مُبدعها. وهٰكذا في الحياة لكل منا إبداعاته وتميزه في أحد مجالات الحياة، وعلينا أن نُدركها ونبرزها بين ما يقدَّم من أعمال من أجل خير الإنسانية؛ كذٰلك يجب أن نُدرك أن ذٰلك التميز هو ما يحقق التكامل بين البشر لتصبح الحياة أيقونة جميلة من صنع الجميع؛ تذكرني تلك الأيقونة بقصيدة قرضها أربعة من الشعراء هم: “ميخائيل نعيمة”، و”جبران خليل جبران”، و”نسيب عريضة”، و”عبد المسيح حداد”؛ في أثناء تَجوالهم معًا، إذ خطر بيت من الشعر إلى ـ”ميخائيل نعيمة” فألقاه على الآخرين، فقام آخر بقرض بيت آخر على الوزن والقافية عينهما، ثم ثالث يقول شطرًا والآخر يكمله، حتى اكتملت قصيدة من ثلاثة عشَر بيتًا فكان مطلعها:
أَسْمِعِينِي سَكِينَةَ اللَّيلِ لَحْنًا مِنْ نَشِيدِ السَّكِينَةِ الأَبَدِيَّة
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ