وصلتنى هٰذه الرسالة : “عندما جاء التلفزيون إلى بيتى، نسِيتُ كيف أقرأ الكتب ! وعندما امتلكت سيارة، نسِيتُ كيف أمشى ! و عندما صار لدى هاتف جوال، نسِيتُ كيف أصوغ أفكارى ومشاعرى فلم أعُد أكتب الرسائل! وعندما صرتُ لا أستخدم إلا الحاسوب، لم أعُد أهتم كيف تُكتب الكلمات! … مع رائحة العطور تاهت منا رائحة الورود! ومع انتشار الوجبات السريعة، لم أعُد أتذكر كيف يُعد الطعام! ومع اللهث المتواتر فى الحياة، نسيت كيف أتوقف وأشعر بمعنى الحياة!! تُوفى أحد أصحاب رؤوس الأموال فى «الصين» وترك لأرملته ثروة تقدر بـ ١.٩ بليون دولار ورثتها جميعها. وبعد حين تزوجت من سائقه. وذات يوم قال السائق: كنتُ أعتقد كل تلك السنوات التى عمِلتُ بها أننى أعمل فى خدمة سيدي، ولٰكننى الآن ـ فقط ـ علمت أن سيدى كان يعمل كل الوقت من أجلي!!”.
كثيرًا ما تمضى بنا الحياة، ونحن نظن أننا نعيشها ونسعد بلحظاتها، ولٰكن فى حقيقة الأمر، قد نكتشف أننا لم نكُن أبدًا نحياها كما يجب!! فى واقع الأمر جزء كبير من متعة الحياة وسعادتها لا يكمن فى امتلاك الإنسان كثيرًا من وسائل الراحة أو الترفيه، إنما ـ كما أؤمن ـ هى فى قدرة الإنسان على استخدام جميع ما وهب له الله من عطايا: جسدية، وفكرية، وعاطفية، وروحية؛ فى ظل محبة تتدفق لتغمر حياته بالسعادة والسلام. لذلك، لا تحول الحياة إلى معترك يسلبك معناها، بل اجعل منها معنى للإبداع والسعادة لك ولمن حولك.
هٰذه دعوة ليست إلى رفض التلفاز أو السيارة أو سبل الراحة، إنما إلى عدم نسيان أشياء أُخر صارت قابعة فى ظلال أيامنا يمكنها أن تهب لنا كثيرًا من السعادة والنمو: مثل القراءة التى تُعد من أروع الفرص للانطلاق فى عالم لا تحُده الحدود الجغرافية، والتمتع بحديث يهمس فيه الكتاب إلى قارئه بكلماته وخبراته ومشاعره، وتدرب الفكر والخيال على التنقل بين ما أدركه الإنسان وما سبح فيه من أحلام؛ ألم تكُن الإبداعات ذات يوم ومضات وأحلام صارت آمالاً وانطلقت لتحط على أرض الواقع؟!
لذٰلك يجب أن تعيش الحياة، وأنت تدرب جسدك ونفسك وروحك حتى أن كنت مشغولًا جدًّا، فإن قليلاً من الوقت تصرفه من أجل إدراك معنى الحياة سيمنحك مزيدًا من الطاقة والإقبال على بذل متسع من الجهد، وإمضاء بعض من الوقت تشارك فيه الآخرين أمورهم من حزن أو فرح؛ تُلقى بظلال السعادة على خطواتك أثناء عبور قسوة صحراء الحياة منفردًا.
تذكَّر أنه ليس من المهم مَن يعمل من أجل مَن! لذٰلك حاول أن تعيش يومك فى بساطة ورضا؛ أن تعمل على تحقيق النجاحات والإنجازات، ولٰكن لا تمضِ منك الحياة دون أن تسعد بها وتُسعد فيها الآخرين. فى حقيقة الأمر: أنا لا أدرى مدى عَلاقة ذٰلك الثرى بسائقه، ولٰكننى أثق أن البشر الذين عاشوا إنسانيتهم فى تواضع ـ على الرغم مما يملِكونه من مال أو سلطة ـ لا تُغنى كُنوز الكون بأسره عن وجودهم بيننا. وفى النهاية، سنرحل جميعنا دون اصطحاب أى شيء من هٰذا العالم سوى كلماتنا المشجعة لنفس تشعر بالوهن، وتلك النصيحة المخلصة التى أُسديت إلى من يحتاج، سترحل معنا أعمالنا وأفكارنا، ولن يتبقى سوى تلك الآثار التى تركناها فى نُفوس البشر.