وسط آلام اجتزتنا واجتزَّت قلوبنا جميعًا، أتقدم بالعزاء للمِصريِّين جميعًا في شهداء “مسجد الروضة” بالعريش، على يد الإرهاب، طالبًا من الله أن يملأ قلوب جميع أسرهم ومحبيهم بالعزاء والصبر، وأن يمُنّ على المصابين بالشفاء. ونصلي إلى الله ضارعين أن يُعم بسلامه وأمنه على بلادنا وعلى العالم بأسره، الذي أصبح يشهد تيارات وأمواجًا من العنف المتزايد.
انتهَيت الأسبوع الماضي من كلمات مقالتي عند عبارة: “على كل إنسان في طريق الحياة أن يختار ويقرر هدفه ووجهته ودوره فيها: هل يكون حافظًا وعاملاً لما خُلق من أجله؟ أم هل يختار نفسه وذاته على حساب الآخرين؟! أيّ دور ستختار؟”.
إن اختيار الإنسان لأن يكون حافظًا وعاملاً لما خُلق من أجله تَتْبعه مسؤولية وأحمال تُلقى على كَتْفه من أجل إتمام مقصده والوصول إلى غايته، فالأمر ليس مجرد كلمات عابرة يتشدق بها البشر دون أن تصحابها أفعال تؤكد جِديتها؛ وهنا أتذكر قصة رواها مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”: قيل إن صبيًّا نزل إلى البحر يستحم، وكان المكان خطِرًا فيه دوامات شديدة سَرعان ما جذبته إلى أعماق البحر؛ وابتدأ الصبيّ يغرق صائحًا طالبًا النجدة من العابرين. مر عليه رجل ورآه على تلك الحال، فقال له: يا ولد، كيف تستحم في البحر، وأنت لا تُتقن السباحة؟! وكيف بلغ بك الجهل أن تستحم في هٰذه المِنَطقة الخطِرة؟ وكيف؟! وكيف؟!! وانهال بأسئلته على الصبيّ الذي يكاد يغرق والذي رد: بالله عليك، يا سيدي: أنقِذني الآن، ثم وبِّخني بعد ذٰلك!!
نعم، فالحياة تحتاج منا إلى أفعال قبل كلمات، ومواقف قبل شعارات، حتى تكون أمينُا وإيجابيًّا في سيرك في الطريق الذي اخترتَ. وثِقْ أنه لن يتتبع خطواتك إلا من وثِق بكلماتك التي تؤكدها مواقفك. أمّا من يختار الأقوال دون الأفعال، فلن يتمكن من المسير في طريق الحياة بيسر، وسَرعان ما تنكشف الفجوة بين الأقوال والأفعال فيفقدون ثقة الناس من أجل عدم أمانة جديتهم في مسؤولية الحياة.
أمّا من اختار نفسه وذاته على حساب الآخرين، أو من اختار الشر والدمار، فليُدرك حقيقة بسيطة تقدمها لنا الحياة: ما يزرعه الإنسان فإياه يحصُد؛ وهٰكذا فالموت لا يجلُب معه إلا الموت، من يختار الموت للآخرين مِن دون رحمة وبلا ذنب اقترفوه فقد اختار لنفسه الموت أيضًا. ومن رغِب أن تكون الكراهية عُنوان مسيره في الحياة فلن تمتلئ نفسه إلا بمشاعر مؤلمة قاسية، فاقدة السلام، يظل يئن تحت وطأتها ويَرزَح تحت ثقلها أينما سار!! وهٰكذا يُصبح عدم الرحمة والقسوة والحقد مشاعر تؤثر فيه هو أولاً قبل أن تَمَس الآخرين. إن الله عادل محب للعدل ويتفاعل بالعدل تجاه خليقته، وهو أيضًا رحوم تملأ رحمته أرجاء الكون، منتظرًا عودة من ضاعت منهم الخطى إلى المحبة والخير.
إن الحياة رحلة قصيرة جدًّا فيا ليتنا نعبرها جميعًا في الخير والسلام!!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ