قال لى صديقى : ما زلت أعتقد أن الحياة قاسية، ولا تحمل فى أيامها وساعاتها ودقائقها سوى الألم والتعب. أمّا الخير، فقد أصبح ظلالاً تشوب حياتنا ربما مرت بك، وربما لا تهتدى خَطواتك إليها؛ وفى النهاية، هى ظلال حتى إنك لَتعتقد أنها أوهام نسجتها آمالك ! قلت له : يا صديقى، أسمع رنة ألم وحسرة لم أعهدها من قبل فى أحرفك وكلماتك . تمهَّل قليلاً وتأمل الحياة جيدًا: تأمل خطوات البشر فيها، ودروبهم التى سلكوها، فربما تجد ما تبحث عنه من إجابات لا تدركها وأنت قابع فى داخل آلامك وأحزانك وتجارِبك الشخصية التى تحجب عنك ومضات الحياة.
دعنا أولاً نتفق : أن الخير له مصدر واحد فقط هو “الله” ـ تبارك اسمه، وأننا جميعًا نتعلم فعل الخير من شخصه القدوس إذ أوصانا بفعل الخير وبعمل المحبة . وما تزال أنفس تشع بالخير على الرغم من الظلمة التى تراها تكتنف حياتنا. تأمَّل هٰذه الصورة : إنها صورة لأحد محالّ تنظيف الملابس، وقد وضع صاحبه لافتة كبيرة على واجهته تقول: إذا كنتَ لا تعمل، وتحتاج إلى تنظيف ملابسك من أجل التقدم لمقابلة عمل، فنحن يمكننا أن ننظفها لك دون مقابل! ألا ترى، يا صديقي، فى ذٰلك خيرًا.
دعنى أقدم لك صورة أخرى: ماذا ترى فيها؟! أجاب صديقى سريعًا: هى صورة لفاتورة بمقدار 82 دولار تقريبًا، مكتوبة بها بضع كلمات. سألته: أما تلحظ بها شيئًا غير معتاد؟! صمتَ قليلاً، ثم قال: نعم. فالنقود المستحقة الأصلية للفاتورة 32 فقط، وقد أضاف صاحبها مبلغ 50 بقشيشًا، وهو أكبر من المبلغ المطلوب بأكثر من مرة ونصف المرة تقريبًا!! فقلت له: بالفعل. ولٰكن انظر ماذا تقول الكلمات التى خطتها يد صاحبها: “هذا عمل محبة تَذكارًا لابننا “ﭽويل” الذى كان يشع بالضياء والمحبة فى حياة كل أحد، ونتمنى أن يشع هٰذا العمل بضوئه فى حياتك أيضًا. شكرًا لك.”. لقد أراد والدا الطفل اللذان فقدا ابنهما ـ الذى كان سر سعادتهما، ويُلقى بأضواء الحب والسعادة فى حياة كل من عرفه ـ أن يُسعدا قلب إنسان آخر، لا يعرفانه، ولو ببعض من المال ربما يحتاج إليه.
إنه الخير، يا صديقي، الذى تستقيه النفس من المحبة المتدفقة فى القلوب من الله. إنه الخير الذى يهب السعادة للنفس فتتعلم معنى العطاء للآخرين لتفرِّح قلوبهم. إنه الخير المنفتح على كل نفس، نعرفها أو لا نعرفها. فماذا، لو كان هٰذان الوالدان قد انغلقا على أحزانهما فى فقدان ابنهما؟! هل تراهما كانا سيعرفان معنى الراحة فى إسعاد الآخرين؟! أنا أتخيل هٰذين الوالدين وهما ينظران إلى فاتورة الحساب المقدمة إليهما، ثم يقدمان عمل محبتهما للنادل، ثم يرفعان أنظارهما نحو السماء ليشاهدا وجه ابنهما “ﭽويل” يحمل ابتسامته المعهودة لهما، وكأن كلمات الشكر تنطلق انطلاقًا من بين شفتيه من أجل أنهما أسعدا قلب إنسان آخر كما كان يفعل هو.
صديقي: كُن ضوءًا فى الحياة يعكس الخير الذى وضعه الله فيك؛ فيبتهج كل من يلتقيك قائلاً: حقًّا، إنى أرى الله!!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى