استكملنا فى المقالة السابقة بعضًا من الكلمات الأخيرة لـ”هولى بوتشر” التى تشير إلى أهمية إدراك الإنسان لما يملِكه من إمكانات فى حياته، والتى ربما لا يشعر بها فى نفسه من كثرة اعتياده على وجودها! فتؤول الحياة إلى حمل ثقيل يئن تحت وطئته!! كذٰلك طلبت “هولى” قَبول بعض الآلام التى تمر بحياتنا والشكر عليها فى مقابل صعوبات فائقة تعترض حياة آخرين، ما كنا نحتملها لو أنها مرت بنا.
وتستطرد “هولي” حديثها عن معنى السعادة الحقة التى لا تضيع، فتقول: “ساعِدوا بعضكم بعضًا أكثر. أعطُوا، أعطُوا، أعطُوا؛ إنها الحقيقة: فأنت تحصل على سعادة أكبر عندما تفعل أشياء للآخرين أكثر من فعلها لنفسك.”؛ فالحقيقة التى يختبرها كل من يقدم خيرًا للآخرين ويسعى لإسعادهم هى أنه يحصل هو نفسه على السعادة! لذٰلك، كلما قدمت أكثر، امتلأت حياتك بمزيد من السعادة! ولٰكن المشكلة الحقيقية أن كثيرين لا يكتشفون هٰذه الحقيقة إلا فى وقت متأخر جدًّا. العجيب فى أمر العطاء، أنه يبدو نوعًا من النقصان: فأنت حين تُعطى وتقدم شيئًا فتتصور أنه ينقص منك ليذهب إلى آخرين، ولٰكن حقيقة الأمر أنه يجلُب معه مشاعر غامرة من الفرح والسعادة والارتياح والرضا، والأهم: يستجلُب الخير والسلام من الله الذى يرى ويحفظ لك عملك ويكافئك أكثر مما تدرك، وحينئذ تتمنى لو أنك أدركتَ ذٰلك مبكرًا لتتمكن من تقديم مزيد! تقول “هولي”: “كم أتمنى لو أننى قدمت للآخرين أكثر مما قدمتُ لهم فى حياتي!”.
ليس بالضرورى أن يكون عطاؤك أموالاً، فهناك من يحتاج بالأكثر إلى مشاعر المحبة والقَبول والتشجيع، ومن يُعوزه مجرد إدراكك بما يعانيه من آلام، وأنك واقف إلى جواره تسانده وتقويه، وأنه لا يسير درب الحياة وحيدًا. ما أصعب أن يشعر الإنسان بأنه يواجه صعوبات الحياة وحيدًا منفردًا! وفى تجرِبة “هولى” مع المرض، نرى ذٰلك بوضوح، فقد ذكرتْ أن عطاء الآخرين لها من المحبة والتشجيع قد أسعدها، وأعتقد أن هٰذا بدرجة كبيرة ما ساعدها على مواجهة مرضها بشجاعة دون انهيار، فهى ليست وحيدة، فتقول: “فمنذ أن أصابنى المرض، وجدتُ الآخرين يقدمون لى عطاءً فائقًا غير عاديّ. كذٰلك التقيتُ أناسًا طيبين، وحصَلتُ على كثير من كلمات المحبة العميقة والدعم ـ اللذين لا يمكننى ردهما ـ من عائلتي، وأصدقائي، والغرباء! وإننى لن أنسى ذٰلك أبدًا، وسأحمل امتنانًا كبيرًا من نحوهم جميعهم إلى الأبد”؛ لذٰلك، قدِّم عطاءً لكل إنسان تلتقيه فى الحياة على كل نوع: فهناك من يحتاج إلى ابتسامة، أو مساندة بالنصيحة، أو بالتشجيع، أو بالاستماع إلى همومه، أو بالمسامحة ونسيان الإساءة، أو أن تهبه وقتك واهتمامك. فى كل يوم عشته، اسأل نفسك: ماذا قدَّمتُ اليوم؟ وماذا لم أقدِّمه بعد؟ أيضًا صلِّ من أجل كل إنسان كى يبارك الله حياته ويسعده، وحينئذ: تجد حياتك وقد امتلأت بالبركات والسعادة.