قال لي: لقد قرأت المقالتين السابقتين، وأعجبتنى كلماتك عن المتنيح “البابا كيرِلُّس السادس” و”البابا شنوده الثالث”؛ فكل منهما له رصيد كبير من المحبة ، ليس فى قلوب الأقباط فقط ، بل الشعب المِصرى . كذٰلك إننى أتابع ما تكتُب “عن الحياة” وذٰلك الأمل الذى تبُثه فى القلوب من خلال ما تسرُد من قِصص أو مواقف فى حياة عظماء ، إلا أننى أرى أنها شخصيات قد وُهب لها إمكانات ، دعنى أصفها كما أراها: “غير عادية” ، أو وجدت إلى جوارها من يساعدها فاستطاعت أن تتخطى أزمات الحياة وتعدو مسرعة فى طريق النجاح ؛ وهٰذا قد لا يتاح لكثير من البشر، توقفت قليلاً أمام كلماته ووجدتنى أسأله: أتؤمن بأن الله عادل ؟! أجابنى : نعم . قلت : إذًا دعنا نضع الأمور وَفق نصابها الحقيقى : نعم، تختلف نوعية المشكلات ومدى صعوبتها من إنسان إلى آخر، ولٰكن كل إنسان قد أُعطى إمكانات تساعده على تخطى مشكلاته ، أو بأسلوب أدق : الارتفاع فوقها ، فقط عليه إدراك مشكلته الحقيقية والثقة بالله الذى وهب له ما يمكّنه من عبور العقبات. ولا يتوقف الأمر عند هٰذا الحد، بل عليه استخدام تلك الإمكانات ، وهٰذا دون شك يحتاج إلى تفكير وعمل جاد وتدريب مضنيّ. وحين يبدأ الإنسان خطاه فى الطريق بأمانة ، حتمًا يجد الأيدى الممتدة إلى مساعدته. وهنا أسرع يقول : أو الأيدى المحاولة عرقلته !! ابتسمت قائلاً : يا صديقى ، إن الإنسان هو من يختار : فإما أن يعمق ثقته بالله ويفكر بإيجابية تساعده على الاستمرار، وإمّا أن يدع الإحباط ينغرس فى أعماقه فيتوقف ومن هنا يبدأ طريق الفشل. على الإنسان أن يتعلم ويدرك أن الحياة ليست عبثًا، ولا هى بلا معنى أو هدف، بل هى أعمق مما يتصور البشر وعليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاهها، وأن يُدركوا أن وجودهم، ليس من قبيل المصادفة، بل هو أمر محسوب بدقة شديدة من أجل دور ورسالة.
دعنى أقدم لك نموذجًا لشخصية تبعُد عن المجال الدينى ، وسارت فى طريق الحياة لتحقق النجاح فى المجال الفنيّ:
وُلد فقيرًا فى أسرة غير مستقرة بسبب تنقلاتها الكثيرة بين ” أمريكا ” و”كندا” ؛ فقد كان والده كثير السفر من أجل البحث عن فرصة عمل ، فكانت النتيجة أنه تنقل بين مدارس كثيرة وصلت إلى خمس عشْرة لتكتشف عائلته أنه يعانى ” عسرًا فى القراءة ” أثر بدرجة كبيرة فى تحصيله العلمى وفى نفسه ، فيقول: “كانت طفولتى مليئة بالوَحدة، وكان الأولاد يهزأون بى لعدم قدرتى على القراءة على نحو سليم .”. وفى الحادية عشْرة من عمره ، صار مسؤولاً عن عائلة من أربعة أفراد بعد رحيل والده . وفى سن السادسة عشرة ، فقد قدرته فى مجال أحبه هو المجال الرياضى بعد إصابة شديدة فى الركبة أفقدته القدرة على الاستمرار . تسللت المشاعر السلبية واندست فى قلبه ليشعر أنه غير قادر على تحقيق النجاح، ولا عمل أى شيء مفيد فى الحياة ، لٰكنه قرر ألا يستسلم لها . فى تلك الأثناء ، شجعه أحد معلميه على الاشتراك فى فريق المدرسة المسرحى ، وبدأ فى تدريب نفسه على التعلم بالنظر حتى يتمكن من حفظ أدواره، فيقول: “دربت نفسى على خلق صور فى ذهنى لفَهم ما أقرأ.”؛ إلى أن حقق نجاحًا كبيرًا بين زملائه، مكتشفًا رغبة عارمة فى المضى والاستمرار. ولما بلغ الثامنة عشْرة، ذهب إلى “نيويورك” للبحث عن تحقيق حُلمه، حيث تعرض لكثير من مواقف الرفض، إلى أن تمكن من النجاح ليصير “توماس كروز” أحد أشهر النجوم الذين رُشحوا لنيل جائزة “أوسكار” .