فى طريق الحياة، نلتقى أناسًا استطاعوا الانطلاق فى الحياة من مجرد أداء أدوارهم وتحقيق آمالهم فى الوصول إلى النجاح الشخصى إلى تخطى حدود ذواتهم والتأثير فيمن حولهم؛ يتمكنون من رسم مسيرهم فى طريق الحياة بانحناءاته أمام عيونهم مدركين ملامح دروبه: سهلة كانت أم شاقة. كثيرون يعيشون ثم يرحلون دون أن يتركوا لنا بصماتهم، وقليلون يعيشون بيننا وبعد الرحيل يعيشون فى أفكارنا وقلوبنا من أجل ما أضافوه من معانى للحياة. فإن كان مهمًّا أن تعيش، فإن الأمر الأهم هو: كيف تعيش؟! نموذجان أقدمهما: الأول كاتب ومحاضر حاصل على عديد من الجوائز هو د. “ريك ريجسبى”، والثانى معلِّمة لم يكُن التعليم لديها مهنة بل حياة.
يتحدث “ريك” فى إحدى محاضراته عن تأثير الإنسان فى حياة الآخرين، متخذًا نموذجًا عن أحكم رجل التقاه فى حياته: رجل على الرغم من أنه لم يُتم دراسته إلى الصف الثالث، فإنه علَّمه كثيرًا من دروس الحياة، فيقول: “لقد علَّمنى مزج المعرفة بالحكمة لإحداث تأثير.”؛ إنه والده: ذٰلك الطباخ البسيط الذى تخلى عن التعليم ليساعد فى مزرعة العائلة، ولٰكنه لم يتخلَّ عن التعلم قط فقد علَّم نفسه القراءة والكتابة، وفى أحلك الظروف قرر أن يكون رجلاً: “فهو حِرَفيًّا تحدى نفسه ليكون أفضل ما يكون جميع أيام حياته” هٰكذا قال عنه ابنه “ريك”.
صارت دُروس والده له دليلاً فى طريق الحياة حتى تمكن من الحصول على أربع درجات علمية وصار أخوه قاضيًا، ثم قدَّم بعضًا منها:
أولاً أن يكون دائمًا مبكرًا، قائلاً له: “يا ابنى، من الأفضل أن تبكر ساعة عن أن تتأخر دقيقة.”، ولم تكُن هٰذه مجرد كلمات بل كان أسلوب حياة إذ على مدى ثلاثين سنة كان والده يغادر المنزل كل يوم مبكرًا جدًّا فى الرابعة إلا الربع صباحا !! فالتميز فى الحياة ليس مجرد فعل الأمر مرة واحدة ولا عدة مرات، بل ما اعتدت على فعله كل صباح؛ يقول الفيلسوف “أرسطو” : “أنت تكون ما تكرر فعله. ” إن الالتزام نحو ما نقوم به وما نفعله هو طريقة حياة وطريق نسلكه كل يوم.
ثانيًا: أن يكون طيبًا، فدائمًا ما كان يردد له: “تذكَّر دائمًا أن تكون طيبًا، وإن كنتَ شديدًا، ولا تنسَ ذٰلك على الإطلاق.”؛ فالمشاعر الطيبة تجاه الآخرين ومحاولة مساعدتهم هى طريق الحياة والإنسانية الحقة، الذى يظل عالقًا بأذهان البشر، وحين ترحل تظل الذكرى قابعة فى حياة البشر.
درس آخر لقنه إياه: أن يكون خادمًا ويتخطى الذات: “تأكد أن مِنشفة الخادم أكبر من ذاتك”؛ فإن طريق الخدمة والتعب والعمل من أجل الآخرين فى تواضع وبساطة يَزيد من تأثيرك فيمن حولك، فتجذب الناس بمحبتك وخدمتك فتؤثر فيهم.
رابعًا: أن يؤدى عمله على النحو الصحيح: “يا ابنى إذا كنت تقوم بعمل ما، فقُم به على أفضل وجه.”؛ وهنا يعلِّق “ريك”: “فالجيد ليس جيدًا متى أمكن أفضل منه، والأفضل منه ليس جيدًا متى أمكن أفضل”. وأخيرًا: “قِف واستمر”؛ إنه درس الأزمات: فمتى اشتدت الرياح محاولِة أن تعصف بك، فعليك أن تقف صامدًا، وأن تستمر فى الصمود، مهما كانت قسوة ما تمر بك من تجارِب. وللحديث بقية.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى