“الحرية” … “المواطنة” … “التنوع” … و”التكامل” تُعد بعض أهم المفاهيم التي تحفظ كيان الإنسان وكرامته؛ كما أنها تحفظ كيان الأوطان في مسيرتها نحو البناء والتقدم وجميع أبنائها يشد بعضهم من أزر بعض. وهي أيضًا المبادئ الفكرية التي تتصدى لقوى الإرهاب الأسود الذي يحاول تحطيم كل بناء وتقدم للحضارة الإنسانية.
فالحرية هي أثمن وأقوى حاجات الطبيعة البشرية بعد الضرورات الأولية من غذاء وكساء؛ ولها عدة محاور من أهمها حرية الإنسان: في الاختيار، وفي التفكير، وفي الحياة. إلا أنه لا يجب أن يغيب عن أذهاننا أن الحرية تحمل في طياتها معنى المسؤولية إذ هي في حقيقتها تعني رغبة الإنسان العميقة في أن يتحمل مسؤولية ذاته؛ وهو ليس مسؤولا عن تحقيق حريته فقط بل أيضًا الحفاظ على حريات الآخرين. وقد قال القائد والزعيم “نيلسون مانديلا”: ليس حرًا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة.
إننا جميعنا خلقنا من التراب، ونعود لأصل واحد هو آدم أبو الآباء، وجميعنا نحيا بنسمة من الله؛ لهذا فكل إنسان يملك الحق في العيش بحرية وإنما من دون مساس لحريات اخوته في الإنسانية الواحدة. ومن هنا نجد أن حرية الاعتقاد مكفولة للجميع إذ هي علاقة خاصة داخل أعماق الإنسان بينه وبين الله – تبارك اسمه – وهو وحده المسؤول عنها؛ يقول:
• الكتاب: “قد جعلت قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك”.
• القرآن: “لا إكراه في الدين” … وأيضًا “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”.
لقد ازداد في الآونة الأخيرة أنين البشر تحت وطأة فقدان السلام وانتشار المَوجات الإرهابية، مما يجعل هناك ضرورةً إلى تكاتف العالم بأسره للتصدي لها. وإن كانت تتعدد جوانب التصدي للإرهاب من: اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وأمنية؛ إلا أن التصدي الفكريّ يُعد أهم الوسائل التي ينبغي الاهتمام بها، فنُوْليها أهمية كبيرة إذ هو أحد طرق حماية المجتمع ـ وبصفة خاصة الشباب ـ من الانجراف في هٰذا التيار المدمر له، وللمجتمعات والأوطان قاطبةً.
لقد اتفقت الأديان على أهمية السلام للإنسان، ففي سورة “البقرة”: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اُدْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾، وفي سورة “الحُجُرات”: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾؛ وعبارة “لِتَعَارَفُوا” هدف قويّ وعميق. إن الله يريد من البشر أن يتعارفوا جميعًا، وأن يعيشوا على أساس من الود والمحبة. وفي المَسيحية: “طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ …”، كما أنه يشمل الجميع فجاء في الموعظة على الجبل: “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ..”. فكم بالحري تكون المعاملة مع الإخوة لنا في أوطاننا؟
وتحقيق السلام وبناء المجتمعات يكون على أساس العدل فأن مجتمعًا يغشاه الظلم لن يصل إلا إلى التفكك والانهيار. وقال الإسكندر الأكبر: [لا ينبغي لمن تمسَّك بالعدل أن يخاف أحدًا.]. وهٰكذا تكون قوة الأمم والملوك في عدلهم. ومن نماذج العدل التي اشتُهرت في التاريخ، الخليفة عمر بن الخطاب؛ الذي صار عدله مضرِب الأمثال حتى قيل له من رسول كسرى: “عدلت، فأمنت، فنمت يا عمر”.
ونجد في معاهدة بيت المقدس التي قيل فيها: [هٰذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين أهلَ “إيلياء” من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصُلبانهم، وسَقِيمها وبَريئها وسائر مِلتها أنه لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم، ولا يُنتقص منها ولا من حَيِّزها ولا من صُلبانهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم ولا يضار أحد منهم].
إن الباحث في التاريخ يجد أن العدل والتفهم والتعايش الذي عاشته مِصر ومنطقة الشرق الأوسط قبلًا في ظل الحكام والملوك العادلين كان يعكس فترات قوة في تاريخ البلاد، فعندما يتدفق العدل من الحاكم إلى شعبه تأمن البلاد؛ إذ يشعر كل إنسان أنه في مأمن من الخطر، وينعكس هٰذا في ازدياد البناء والتقدم والتحضر للبلاد؛ فكلما تكثر حروب البلاد ينشغل أهلها عنها، ولا فرق هنا بين عدو خارجيّ وآخر داخليّ، بل الأصعب هو أن يكون العدو من الداخل؛ يحاول تفريق شمل البلاد لتظل تحت وطأة التعثر والتهاوي.
ومن هنا جاءت مبادرة الأزهر في تكوين “بيت العائلة المصرية”؛ وعندما نذكر الأزهر أذكر كلمات الرئيس “عبد الفتاح السيسي” في 18 فبراير بنيروبي: “… في هذا الصدد أود أن أشير إلى ما يقوم به الأزهر الشريف من دور هام كمنارة للفكر الإسلامي المعتدل وفي نشر الأفكار والتعاليم الدينية الصحيحة لمواجهة الأفكار الدينية المتطرفة وتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب والتطرف”.
فكرة “بيت العائلة المِصرية”
يُعد فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور “أحمد الطيب” شيخ جامع الأزهر هو صاحب الفكرة في إنشاء “بيت العائلة المِصرية”، وقد حازت الفكرة ترحيب مثلث الرحمات قداسة “البابا شنوده الثالث” ـ بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المَرقسية السابع عشَر بعد المئة؛ وذٰلك لثقته ومحبته لفضيلة الأستاذ الدكتور “أحمد الطيب”؛ فوافق على الفكرة والمشاركة في تأسيس “بيت العائلة المِصرية”.
وكان ذلك بعد واقعة “كنيسة سيدة النجاة بالعراق” في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 2010م، ثم الاعتداء على “كنيسة القديسَين بالإسكندرية” في الدقائق الأولى من غُرَّة عام ٢٠١١م؛ إذ كان من الواضح آنذاك أن هناك تخطيطًا موجَّه إلى مِنطَقة “الشرق الأوسط” لإحداث فُرقة بين المسلمين والمَسيحيِّين فيها، يشتمل أيضًا على نشر فكر إرهابيّ مؤدّاه “رفض الآخَر”. فجاءت المبادرة في أثناء زيارة وفد “الأزهر” برئاسة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور “أحمد الطيب” لقداسة “البابا شنوده الثالث” في الثاني من يناير ٢٠١١م، لتقديم العزاء بعد واقعة “كنيسة القديسَين بالإسكندرية”، فعرض فضيلته الفكرة على قداسة “البابا شنوده”، ولقيَت ترحيبًا من قداسته، وبدأ التنفيذ العمليّ لتحقيقها.
وبفضل الرؤية الثاقبة الواضحة المستنيرة والجُهد الدؤوب لفضيلة الإمام “أحمد الطيب”، تأسس “بيت العائلة المِصرية” في عام ٢٠١١م، صائرًا هيئة مستقلة باسم “بيت العائلة المِصرية”، برئاسة فضيلة الإمام الأكبر “شيخ الأزهر” وقداسة “بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية”. ويجمع أيضًا “بيت العائلة المِصرية” ممثلي الطوائف المَسيحية في “مِصر”، وعددًا من الخبراء والمتخصصين.
أهداف “بيت العائلة المِصرية”
• الحفاظ على النسيج الوطنيّ الواحد لأبناء “مِصر”، وله ـ من أجل تحقيق هٰذا الهدف ـ الاتصال والتنسيق مع جميع الهيئات والوزارات المعنية في الدولة، وتقديم مقترحاته وتوصياته إليها، وكذا عقد المؤتمرات واللقاءات في جميع محافظات “مِصر”. كما جاء في “مادة رقْم ١” من وثيقة تأسيسه.
المحاور
يسعى “بيت العائلة المِصرية” لتحقيق المحاور التالية:
• تأكيد القيم العليا والقواسم المشتركة بين الأديان والثقافات والحضارات الإنسانية المتعددة.
• بلورة خطاب جديد ينبثق عنه أسلوب من التربية الخلقية والفكرية، بما يتناسب مع احتياجات الشباب والنشء، يشجع على الانخراط العقلي في ثقافة السلام ونبذ الكراهية والعنف.
• تفعيل المخزون الحضاريّ الثقافيّ للشخصية المِصرية بمكوناته التاريخية والحضارية الفريدة والمتميزة.
• التعرف على الآخر، وإرساء أسس التعاون والتعايش بين مواطني البلد الواحد.
• رصد واقتراح الوسائل الوقائية للحفاظ السلام المجتمعيّ.
الإدارة
تنشأ هيئة مشتركة باسم “بيت العائلة المِصرية”، برئاسة “شيخ الأزهر” و”بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية”، مقرها الرئيسي “مشيخة الأزهر بالقاهرة”؛ وحاليًّا يمثل “الأزهر” فضيلة الإمام الأكبر الشيخ الأستاذ الدكتور “أحمد الطيب”، ويمثل “الكنيسة القبطية الأرثوذكسية” قداسة “البابا أنبا تواضروس الثاني” بابا الإسكندرية الثامن عشَر بعد المئة.
يعيَّن لـ”بيت العائلة المِصرية” أمين عام وأمين عام مساعد؛ وحاليًّا الأمين العام هو الأستاذ الدكتور “محمود حمدي زقزوق” وزير الأوقاف الأسبق، وأشرف بالعمل معه.
يتولى إدارة “بيت العائلة المِصرية”
• مجلس الأمناء: وهم أفراد لا يقل عددهم عن ١١ ولا يزيد عن ٢٧ عضوًا. ويعقد هٰذا المجلس اجتماعات دورية، ويمكن أن يعقد اجتماعات طارئة حسبما تتطلب الظروف، وهو الذي يضع السياسات العامة لـ”بيت العائلة المِصرية” ويُشرف على تنفيذها.
• المجلس التنفيذيّ: ويرأسه الأمين العام، ويعاونه الأمين العام المساعد، ويختص بتنفيذ السياسة العامة لـ”بيت العائلة المِصرية”، ويضم مقرري اللجان والمقررين المساعدين.
اللجان
لجنة الخطاب الدينيّ
لجنة التعليم
لجنة الشباب
لجنة الثقافة الأُسرية
لجنة الطوارئ التنفيذية
لجنة الإعلام والعلاقات العامة
لجنة المتابعة
لجنة الرصد
من المبادرات الأخرى:
• مبادرة “لا للعنف … لا للإرهاب” في المدارس
• مبادرة “الأسرة … حقوق وواجبات” في النوادي والقرى ومراكز الشباب
• مبادرة “دور الشباب في بناء مستقبل مصر” في المحافظات الحدودية
إن العمل في “بيت العائلة المصرية” لا يتوقف، فقد أنشئت فروع له بالمحافظات، ويدرس حاليًا كيفية إنشاء فروع خارج مصر؛ فتجربة “بيت العائلة المِصرية” ـ التي تحمل في عمق رسالتها الإيمان بحرية الإنسان … وأهمية تفعيل المواطنة من أجل بناء وطن قوي يعيش فيه مواطنين ناجحين سعداء يحققون الإنجازات والنجاحات في كافة مجالات الحياة ولذا فهو يستحق تحمل كل معاناة وجَهد.
كانت هذه بعض المبادرات إلا أن لا يمكننا أن ننكر وجود الكثير من التحديات الخارجية والداخلية منها:
• ما تتعرض له مصر من إرهاب خارجي يحاول زعزعة أمنها واستقرارها.
• التأثيرات الفكرية الخارجية، أو الداخلية، التي تحاول جذب الشباب – شباب العالم- للتفسيرات الخاطئة للدين
• التنمية في جميع مجالات حياة الإنسان والتي تحتاج إلى وقت وجهد
• استعادة القيم المهجورة كأسس لحياة الإنسان في وقت طغت فيه المفاهيم المغايرة كطريق لتحقيق أمال الإنسان بشكل سريع دون جهد
إلا أننا نشكر الله الذي وهب مصر قائد حكيم يدرك خطر الإرهاب في تمزيق الوطن وهدمه، السيد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” الذي دائمًا يضمد جروح المصريين. ففي أحداث الإرهاب التي شهدتها كنيسة البطرسية منذ 80 يومًا أمر سيادته بسرعة بناء الكنيسة والانتهاء منها في خمسة عشر يومًا وقد تم ذلك. ولا ننسى أيضًا توجيهات سيادته للأسر القبطية المصرية التي انتقلت من سيناء الشمالية إلى الإسماعيلية والمحافظات الأخرى بتوفير احتياجاتهم من إقامة وطعام وعلاج وعمل ودراسة وغيرها.
كما أعلن السيد الرئيس أنه لن يسمح بأي سياسات عدائية ضد مصر وأبنائها تحاول أن تتخذ من الدين غطاءً بينما الدين منها براء، وقد قال أيضاً فضيلة الأمام الأكبر أمس “القضية برمتها ليست من الدين لا في كثير ولا قليل” فالذين يراهنون على إضعاف التركيبة الديموغرافية الحضارية في سيناء واظهار مصر بمظهر الضعف فهي محاولة لإحياء المخطط الذي أُسقط في ثورة انحاز لها الجيش. وبفضل جيش مصر الباسل الذي يواجه الارهاب ويحفظ أمن مصر التى هى أمن الشرق الأوسط بل وأوروبا. ولن نقبل أية مبررات للاعتداءات الدموية التى تحدث حالياً أو حدثت في الماضي باسم الدين لأن ذلك يمثل الارهاب الأسود في العالم والذى له من يشجعه لاغراض معروفة لكم جميعاً.
أيضًا نشكر الله على القيادات الدينية التي تسعى لتحقيق العيش المشترك في سلام. فلدينا فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور “أحمد الطيب” على رأس الأزهر الذي يمثل الإسلام في وسطيته واعتداله وما يقوم به من دور في مواجهة الأفكار المتطرفة، وعلى رأس الكنيسة القبطية قداسة البابا “أنبا تواضروس الثاني” الذي يسعى لترسيخ مبدأ العيش المشترك وزرع الحب والسلام بين أبناء الوطن وكذلك كل رجال وعلماء الدين الإسلامي ورجال وعلماء الدين المسيحي الذين تكاتفوا معا وحضروا مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين للحفاظ على الشرق الأوسط بتنوعه وتعدديته.
فمصر التي تباركت بالأنبياء فكانت ملجأ لهم: إبراهيم خليل الله الذي تزوج من هاجر، يعقوب، يوسف الذي تزوج من ابنة كاهن أون، موسى كليم الله، سليمان الذي تزوج من ابنة فرعون مصر؛ ثم مريم مع طفلها هربًا من هيرودس، فمصر ستظل الحصن الأمين للشرق والعالم. ليوفقنا الله إلى ما فيه خير الإنسانية جمعاء.
[epa-album id=”33299″ show_title=”false” display=”full”]