تحدثنا في مقالات سابقة عن عواصف تجتاح حياة الإنسان، كعواصف: الخوف، وعدم الثقة بالنفس، والغضب، واليأس؛ وهي عواصف تنبُع في أغلبها من داخل الإنسان نتيجة خبرة مرت بحياته، أو بحياة أشخاص قريبين منه.
إلا أن هناك عواصف تهاجم حياة الإنسان من الخارج وتهدُف إلى تحطيمه، ومنها عواصف “النقد الهدام”. وفي مواجهة تلك الأعاصير، أود أن أؤكد بعض النقاط:
• التمييز والإفراز
بدايةً، على الإنسان أن يتعلم التمييز بين النقد الهدام والنقد الذي للبناء، بين من يقدم لك كلماته في ثوب من نقد لٰكنه يهدُف إلى الخير، وبين من يُسْمعك كلماته في رداء من النصيحة إلا أنه يسعى لتدميرك وتحطيمك. كُن مميِّزًا لكلمات محدِّثك، فتمييزك وإفرازك للأمور يحددان مدى تأثير ما تسمعه في أفكارك ومواقفك نحو الآخرين. وتذكَّر تلك النصيحة التي قالها الكاتب الأمريكيّ “نورمان فينيست بيل”: “مشكلة معظمنا أننا نفضِّل أن يدمرنا المديح على أن يُنقذنا الانتقاد”! ومن أهم ما يساعدك على ذٰلك هو أن يكون لك التفكير المنطقيّ الهادئ المحايد إلى حد كبير إزاء ما يقال لك، وأن تتناول النقد والنصيحة كلتيهما بعين الاعتبار، وبالتدقيق في مدى صدق ما تسمعه. وإن كان هناك أطرافًا أخرى يتعلق بها الأمر، فعليك أن تستمع إليها باهتمام لتكون عادلًا في حكمك على الأمور، وبالعدل تتكشف لك حقائق ما كنت تظنها من صنع الخيال. ودائمًا ضَع في اعتبارك أن أعظم البشر وأرقاهم من لا يحادثك عن الآخرين وسلبيات حياتهم أو مواقفهم بل عن المبادئ والقيم في حد ذاتها. ومتى تحققتَ أن النقد الذي يقدَّم إليك هو من النوع الهدام، فعليك:
• الارتفاع فوق النقد
يقولون: “عوِّد نفسك على التجاهل، فليس كل ما يقال يستحق الرد.”؛ فما يَزيد الأمر صعوبةً هو إعطاء النقد الهدام أهمية تُوقف مسيرتك، فتفقِد وقتك وقدرتك وطاقتك في إثبات عدم صحة الكلمات، وهٰكذا تفقد بساطتك وسجيتك. وتلك هي أصعب معارك الحياة التي يعبر عنها الكاتب الإنجليزي “وليام شكسبير” بقوله: “أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصًا آخر”. فما أصعب أن يترك الإنسان البسيط بساطته! ومؤلم إلى أقصى مدى أن تتملكك مشاعر الحزن والإحباط وتعصف بك في بحر الحياة وأنت لا ترى شاطئًا. فلا تخشَ النقد الهدام، بل دَعه يَزيدك قوة وإصرارًا وصمودًا في طريق الحياة.
• التركيز في أهدافك وطموحاتك
إن النقد السلبيّ هو إحدى وسائل الضعفاء، في محاولة لإيقاف تقدم الناجحين الساعين في طريق الحياة بهمة وجِدية واضعين لهم أهدافًا وقممًا يصعدون إليها. فحين تتوقف للتصدي للنقد الهدام، فأنت إنما تكون قد أذِنتَ لهم باعتراض طريقك وتحويل مسارك الذي رسمتَه لذاتك، وإن كان بصفة مؤقتة! وهٰكذا ينجحون هم في تأخير مسيرتك. ضَع نُصب عينيك أهدافك النبيلة وسعيك في الحياة، وتأهب لعواصف النقد، فما من عمل ناجح إلا تعرض لتلك الأعاصير.
• الإيجابية في التصدي للنقد الهدام
النقد الهدام ما هو إلا كلمات لا أساس لها من الصحة، أو غير عادلة تجاه شخص أو موقف. فلا تخشَ كلمات في حين أنك تقدِّم أعمالًا ناجحة هي أفضل ما يدافع عنك في حُضورك أو غيابك. وليكُن رد فعلك تجاه كل النقد مزيدًا من العمل والثبات، ومزيدًا من الثقة بالله العادل الذي سيكشف يومًا ما جميع خفايا قلوب بني البشر، فلا يوجد أمر خفيّ لن يُعلن يومًا. عزيزي: لا تقلق من عواصف تثيرها كلمات البشر!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ