بدأنا الحديث في المقالة السابقة عن حوار الصبيّ “اسبارش” الذي سلب منه مرض “هشاشة العظام القدرة على الحركة، ولٰكنه لم يتمكن من سلبه سعادته ونبض الحياة وإرادته، وأيضًا موهبته في الغناء والكتابة. رأيت فيه نموذجًا في عدم الانحناء والاستسلام أمام مرضه، رفض أن تُسرق منه حياته في مشاعر الأسى فرأى بصيص الأمل وسط ظلمات الواقع وسعى للإمساك به؛ في حين يتوقف آخرون عند قلاقل بسيطة لا تؤثر كثيرًا فيما لديهم من نعم لتسود حياتهم نغمات الحزن واليأس.
ثَمة أمر آخر في حياة الصبي “اسبارش”: اختياراته التي ميزته عن كثيرين مرت وتمر بهم صعوبات الحياة؛ فبينما اختار كثيرون طريق استجلاب الشفقة من الناس، وضع “اسبارش” لنفسه هدفًا آخر: “أريد أن أَحفِز العالم. لا يمكنني الجلوس والبكاء على إعاقتي، أو أن أشكو وأندُب حظي في الحياة … فأنا لن استسلم لتلك المشاعر السلبية أبدًا!!”؛ وفي كل موقف يمر بحياتنا، لا نجد أنفسنا إلا ولدينا قرار يجب أن نتخذه حيال الاتجاه الذي نريد أن نسلك فيه. ففي مواجهة الصعوبات: إما الاستسلام، وإما التحدي والإصرار من أجل تخطيها، بل مساعدة كل من تمر به مثل هٰذه الصعاب وحفزه لعبورها؛ وهٰذا ما عبّر عنه “اسبارش”: “هٰذا سبب رغبتي أن أصبح فنانًا. حُلمي هو أن أَحفِز كل الناس في هٰذا العالم.”، وعليك أنت تختار: أيهما تكون؟!
إن “اسبارش” ليس هو الوحيد الذي تحدى صعابه، فهناك نموذج آخر كثيرًا ما يتردد في ذهني وخاصة أنني التقيته ذات يوم في أثناء لقائه مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”: إنه “نيكلوس فيوتشتش” أو “نيك” الذي عُرف بأنه “رجل دون أطراف” وصار مصدر عزاء وبعث للأمل لكثيرين في العالم. ففي حياة كلا النموذجين ـ مع الفارق في مشكلة كل منهم ـ كان للآخرين دور وأثر مهمان: فيذكر “نيك” أن انتصاره على الصراعات التي كانت تدوّي في أعماقه وجعلته يحاول التخلص من الحياة وهو ما يزال في العاشرة يعود إلى إيمانه العميق بالله، وبأدوار عائلته وأصدقائه وكثير من الناس في حفزه وحثه على المواصلة وتخطي ما يعترضه في الحياة، وحين سئل “اسبارش” عما يَحفِزه في الحياة، أجاب: “على نحو أساسيّ، جميع من حولي يَحفِزونني بطريقة أو بأخرى!!”؛ وفي كلماتهما أجد أهمية أدوارنا الإنسانية نحو كل إنسان.
كثيرًا ما يسأل البشر: وماذا تفعل كلمة، أو ابتسامة، أو تشجيع، مع تلك المصاعب الشديدة التي تقابل بعض البشر؟! ماذا تُغير من واقعهم؟! للحديث بقية …
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ