أود أن أبدأ بتهنئة المِصريِّين جميعًا بالذكرى الرابعة والأربعين لٍانتصارات أكتوبر المجيدة التي احتفلنا بها أمس؛ والتي تفوح ذكراها العطرة على مر السنين، نتنسمها في كِياننا، وتترسَّم في فكرنا ووجداننا صور ومشاهد يستحيل لآثار الزمن ـ مهما طال ـ أن تجعلها تشحُب أو تنال من معالمها أو تقلل من عظمتها.
إن نصر أكتوبر لم يكُن مجرد انتصار في معركة بين بلدين انتهت بانتصار أحدهما، لٰكنه كان سجلاً حافلاً بإرادة جيش وشعب هبَّت من أجل استعادة أرض مِصرية هي جزء لا يتجزأ من وجدان كل وطنيّ. وكما ذكرت سابقًا، فإن أحد الفروق الجوهرية بين الأشخاص الناجحين وغيرهم ممن يتعثرون في سيرهم في الحياة يكمن في “الإرادة”. إن إرادة الإنسان الصامدة القوية من أجل تحقيق آماله وأحلامه هي السر العظيم الذي يحُض صاحبها على المضيّ إلى الأمام حيث النجاح، في حين أن ضعف الإرادة لا يؤدي به إلى تحقيق إنجاز أو أيّ عمل يُذكر!
إن إرادة المِصريِّين لهيب وقوده الدائم “حبهم لوطنهم”، ذلك الحب النابض في قلب كل مِصريّ؛ لقد كانت “مِصر” موضوعة نصب أعين الجميع في تلك الفترة المؤلمة التي أعقبت يونيو 1967م، فصار كل منهم يود لو أنه يرفع عنها أحزانها؛ وبالفعل بدأ العمل من أجل استعادة الكرامة: فمن عام 1967م حتى انتصار 1973م لم تخمَُد نيران الإرادة المِصرية في العمل من أجل تحقيق النصر من تدريبات، وإعدادات، وتجهيزات لقواتها المسلحة؛ لتبدأ حرب الاستنزاف التي كان لها دور كبير في خسائر العدُو الفادحة من جهة، ومن جهة أخرى في استعادة المِصريّ ثقته بنفسه وبقدراته التي مكّنته من تحقيق النصر؛ وقد كان: فقد استطاع المِصريّ أن يسترد سيادته الكاملة على “قناة السويس” لتعود إليها الملاحة تباعًا عام 1975م، كما استرجع جزءًا من أرض “سيناء” المِصرية؛ لقد قدم المِصريّ للعالم أيقونة “مِصر” مرسومة بدماء المِصريِّين القادرين على تحقيق ما كان يظنه العالم مستحيلًا، وذٰلك بعد أن حطم انتصارهم في السادس من أكتوبر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر التي صدقها كثيرون وبات من المستحيل كسره أو تغييره!
إن تحقيق النصر يحتاج إلى عزيمة وإرادة تدفعان الإنسان إلى العمل دون توقف حتى يصل إلى غايته. وكما قادت تلك الإرادة إلى انتصار أذهل العالم، فإنها يمكنها أن تحقق إنجازات بارزة لبلادنا في جميع مناحي الحياة.
كل عام وجميعكم بخير، متمنيًا لـ”مِصر” ولشعبها العظيم السلام والخير والرخاء، وأهنئ رجال القوات المسلحة بذكرى تعيد لأذهاننا انتصار إرادة جيش وشعب.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ