تحدثنا في المقالة السابقة عن الالتزام أنه أسلوب حياة، وأن الملتزم لا يكسِر وعوده، وكلماته، واتفاقاته، كما هو أيضًا ملتزم نحو النظام العام الذي يعيشه، وبالوقت الذي يحياه فنجده يحرص عليه ويجيد إدارته.
لذا، فإننا نجد الإنسان الملتزم شخصًا مريحًا للآخرين يحبون أن تجمعهم وإياه مواقف ومعاملات؛ إذ أن ثقتهم بشخصه شديدة قوية، قد بُنيت داخلهم علي أساس راسخ من إحساسهم بالتزامه، ما أضفي نوعًا من الراحة والسهولة والرغبة في أن يعاملوه ويعاملهم. ولذٰلك حين يتحدث الإنسان الملتزم، تجد الآخرين يصدقون كلماته ويحترمونها أكثر من كلمات أخري مكتوبة.
والملتزم يحركه التزامه في مجال عمله؛ فهو لا يتخطي تعهدات وظيفته وواجباتها مهما صغرت وتضاءلت، فهو لا يستصغر ما يؤديه مهما بدا بسيطًا، بل يواصل فيه باجتهاد ليحقق منه إنجازات عظيمة. والملتزم يؤدي ما يوكل إليه بأسلوب متميز يحركه في طريق النجاح؛ فالعمل بالنسبة إليه هو جزء من كِيانه ومن احترامه لذاته، ولذٰلك يُسخِّر كل إمكاناته لينمو فيه ويتميز. والتميز يجعله موضع تقدير الآخرين وثقتهم، إذ يشعرون بأمانته، وبالأمان الشديد علي أمورهم من جهته؛ وبخاصة إن كان عمله يسمح له أن يطلع علي كثير من أسرار عملائه.
والملتزم لا يبحث عن المبررات أمام ما يعتريه من صعاب أو مشكلات تعترضه في عمله، بل يحاول تخطيها. وتجده لا يعترف بالضعف، أو المستحيل، أو الظروف، إنما يسعي لبذل قُصاري جهده ليؤدي التزاماته وواجباته. لذا، متي رغِب الإنسان في تحقيق التزامه، فعليه ألا يضع المبررات لذاته أو مواقفه أو قراراته، بل يجلس إلي نفسه بكل صدق وأمانة ليدرك الأسباب الحقيقية من عدم تحقيق أهدافه؛ وحينئذ يقرر في إلزام شخصي أن يكون جادًا مسئولًا عن ملاشاة تلك الأسباب بعزيمة وإرادة لا يحيد عنهما. ومن سمات الملتزم أن تجده يشعر في أعماقه بالتزام نحو من يلجأ إليه؛ فيعمل علي راحته وإسعاده وتقديم الخير إليه في المواقف والظروف التي تمر به. ويفعل هٰذا بلا جرح لمشاعره، وكيف يجرح وهو يري أن الآخرين إنما يقدمون إليه السعادة العميقة الغامرة عندما يقدم هو لهم الخير؟!! إنها فرصة بالنسبة إليه للسعادة، فكيف يضيعها؟! إنه يعتبر نفسه فردًا في عائلة كبيرة جدًّا تسمي «الإنسانية»، يسعي بأداء دوره والتزامه نحو أفرادها بمحبة فائقة!!
يمكنك قارئي العزيز أن تبدأ في مسيرة نحو النجاح عند التزامك بما يمكنك أداؤه، متذكرًا أن التزامك يعتمد عليه ويثق فيه آخرون. ولا تدَعه يتأثر بما يمر بك من ظروف؛ وبخاصة النفسية.