“التطرف”، “الإرهاب”، “التعددية”، وغيرها: كلمات تَشِد أذهاننا اليوم، في وسط عالم امتلأ بمتناقضات وتيارات تهدُف إلى سلب سلامه؛ ولذا جاء موضوع مؤتمر “التطرف وأثره السلبيّ في مستقبل التراث الثقافيّ العربيّ” ليُلقي ضوءًا على أهمية أفكار “التعددية” و”قَبول الآخر” و”احترام حريته”؛ وبتعبير آخر: “التعايش”: أيْ قدرتنا على أن نحيا في سلام وأمن من أجل سلام المجتمع وبناء المستقبل.
وإذا كانت “التعددية” قد اتخذت لها عددًا من التعريفات التي تنوعت وتباينت، فإننا لا نقصد بها إلا ذٰلك المعنى الذي يوطد فكر “القدرة على تعايش الأفراد المختلفين في الفكر” ـ دينيًّا أو سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو ثقافيًّا إلخ ـ في وطن واحد يجمعهم على العمل والبناء، دون تصارع من جهة، ودون ذوبان في الآخر من جهة أخرى: بمعنى عدم محاولة تغيير المعتقدات الراسخة في أعماق كل منهم؛ وبذٰلك تحمل “التعددية” في معناها الظاهريّ وجود اختلاف، ولٰكن في مضمونها قدرة الأفراد على التعايش على الرغم من ذٰلك الاختلاف.
“قَبول التعددية” يحتاج إلى:
• غرس مفهوم “الإنسانية” بما تحمله من مشاعر محبة وود ورحمة؛ وهنا أقتبس قول الزعيم الراحل “نيلسون مانديلا”: “لا أحد يُولَد وهو يكره الآخر بسبب لون بشرته أو خلفيته أو دينه … الناس تتعلم الكراهية … وإن كانوا قد تعلموا الكراهية، فمن الممكن أن يعلَّموا الحب … فالحب أقرب إلى الطبيعة الإنسانية من الكره.”؛ وهنا أتساءل: متى سنعلِّم المحبة وقَبول من نعيش بينهم ـ وإن كانوا لا يؤمنون بأفكارنا ومعتقداتنا ـ لأبنائنا، حتى يُنقذ هٰذا الوطن ـ ليست “مِصر” فحسب بل العالم العربيّ ـ أو دعوني أقول: العالم بأسره من الدمار؟!
• غرس معنى “الحرية الحقيقية” التي لا تجور على حقوق الآخرين بين البشر.
• غرس “المفاهيم المشتركة التي أقرتها الأديان”؛ فإقرار وجود فضائل مشتركة وسلوكيات إنسانية بين البشر ـ مثل الحث على فعل الخير والود والتسامح والرأفة ـ يكسِّر كثيرًا من الحواجز التي تفصل بين أبناء الوطن الواحد، ويبني كِيانًا إنسانيًّا إيجابيًّا نحو الآخر. فالكراهية تنبَُِع من عدم معرفتي بالآخر المعرفة الحقة، ومن إطلاق الأحكام عليه دون إدراك لكل الجوانب التي تتعلق به؛ لذا فإنه علينا: أن نتقارب من خلال الأساسيات المشتركة بيننا.
• تنمية “الشعور بالوطن الواحد” والقومية المشتركة من أجل بناء الأوطان. أمّا المعتقدات والأفكار، فهي عَلاقة خاصة جدًّا بين الإنسان والله، لا يحق لأيّ من البشر أن يطلق أحكامه وينفذها وَفقًا لمفاهيمه الإنسانية القاصرة على تمام الإدراك.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ