هو في الكَون أحد القوانين الإلٰهية التي غُرست من بَدء الخليقة، وهو عند الإنسان أحد أسرار النجاح في الحياة، ويمكن أن تَعدّه سر الرضا والسعادة الذي يفتقده كثيرون بل أحد المبادئ المهمة فقيل عنه: “عندما يختفي من حياتنا لا نجد سوى الخلل إما جسديًّا وإما نفسيًّا وإما الاثنين معًا، والتحطم، وعدم السعادة.”، إنه: “التوازن”. فبنظرة سريعة في الكون والبيئة من حولنا، نجد أنهما كُوِّنا وخُلقا في توازن وإبداع عجيب. ومع أن آلاف السنوات قد مرت، فإن العلم ما يزال يكشف لنا كل يوم جديدًا من إبداعات التوازن وعجائبه في الكون والطبيعة، وكثيرًا ما تحدثت الاكتشافات العلمية عن التأثير السلبيّ لتدخلات الإنسان التي تؤدي إلى كسر هٰذا التوازن وفقدانه الذي يصل بالعالم إلى الانهيار.
أما عن الإنسان نفسه، فقد وُهب الحياة من الله فخُلق جسدًا ونفسًا وروحًا، وفي هٰذه القوى الثلاث الكامنة في أعماقه يسير رحلة الحياة وهو يسعى نحو تحقيق التوازن بينها ليحيا في رضًا وبخطوات ثابتة في طريق النجاح.
“التوازن” لغويًّا
وفي معجم “المعاني الجامع” نجد معنى كلمة “توازُن”، كما يلي: الفعل توازَن … توازنتْ قوة المتحاربين” أيْ تعادلتْ.”، وأيضًا: “توازن الشيئان بمعنى: اتزنا، تعادَلا، تساويا في الوزن.”. أما الاسم “توازن”: فهو يعني “التعادل” كأن نقول: تميزت المباراة بتوازن قوتَي الفريقين أي بتعادلهما. و”اختل التّوازن” تعني أنه فُقد، و”فقَد توازنه” أيْ “اضطرب وارتبك”. وحالة “اللاتوازن” هي حالة من الخلل أو اختلال التوازن أو انعدامه تصيب الإنسان. وفي معجم “مقاييس اللغة”: “وزن: … بناء يدل على تعديل واستقامة، ووزِين الرأي أيْ معتدَلُه”. وتتعدد مجالات التوازن فهناك: الغذاء المتوازن، والتوازن الاقتصاديّ، وتوازن القشرة الأرضية، والتوازن السياسيّ، وتوازن الميزانية من دخل وصرف، وتوازن القوى. وسنتحدث عن التوازن في حياة الإنسان كمبدإ من مبادئ الحياة المهمة والأساسية لخيره ونجاحه.
وقد تعددت تعريفات لفظة “التوازن” فقيل إنه: “الاعتدال بين الأمور، وبخاصة المتناقضة”، أي إنه الوسط بين تطرُّفين هما الإفراط والتفريط أو المغالاة والتهاون. ففي “التوازن” نجد رفضًا لأيّ نوع من أنواع التطرف أو التشدد نحو اتجاه بعينه في تحديد الصواب والخطإ. وهٰذا الاتزان أو الاعتدال الذي يصحاب شخصية الإنسان يمكِّنه من القدرة على تخطي المشكلات بمرونة وبيقظة، وبذهن متنبه يبعد عن المغالاة في الفَهم أو المشاعر بتناغم بينهما لا يحمل جفاف العقل بمفرده أو اندفاع المشاعر وتهورها. كذٰلك فإن “التوازن” يحفظ الإنسان من التقلبات في المبادئ أو الآراء والمشاعر، التي جميعها أمور تنعكس في سلوكه وتصرفاته تُِجاه الآخرين؛ إنه … وللحديث بقية …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطي الأُرثوذكسيّ