أهنئ المِصريِّين جميعًا بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة التي احتفلنا بها الخميس الماضي، متمنيًا لـ”مِصر” ولأبنائها الخير والازدهار والسلام.
إن نصر أكتوبر دائمًا ما يُعيد إلى أذهاننا بُطولات عديدة قدمها المِصريُّون البواسل في ميدان المعركة، وفي كل بقعة من بقاع “مِصر”. كان الجميع ـ جيشًا وشعبًا ـ يسعى نحو إحراز النصر وتحرير الأرض الغالية؛ الجميع يتمنى ويحلُم ويعمل لأجل تحقيق غايته؛ وقد استطاع المِصريُّون أن يحققوا ما لم يتوقعه العالم بأسره، في قوة زلزلت الأرض تحت أقدامهم!! فقد ذكرت صحيفة “لو ڤيجارو” الفرنسية إبان حرب أكتوبر: “إن «مِصر» ـ وخلفها سبعة آلاف عام من الحضارة ـ تشتبك في حرب طويلة المدى مع «إسرائيل» …”.
وطالما كان المِصريُّون في وقت المحن شعبًا واحدًا، يقدم كل ما لديه من أجل بلاده، غير عابئ بحياته، مقدِّمًا إياها فداء وطنه. وقد سردنا في مقالات سابقة كثيرًا من البُطولات التي قُدمت من أجل “مِصر”. إلا أنه في ظل هٰذه الذكريات، ينبغي أن تكون لنا إطلالة على واقع أيامنا، فنصر أكتوبر الذي حققه المِصريُّون وأذهل العالم ليس سوى بداية طريق لانتصار “مِصر” في معركة نحو القمة، نحو التقدم، نحو النمو والتغيير إلى حياة من الرخاء يحلُم بها كل مِصريّ. ولا يمكننا أن ننكر العوائق التي تعترض طريق التقدم والبناء، وأن جميع السبل تمتلئ بالأحجار: فإما تعثرنا بها، وإما صنعنا بها سُلَّمًا نصعد عليها نحو تحقيق أحلامنا.
كان “خط بارليف” عائقًا وسدًّا منيعًا يحطم أحلام العُبور والنصر، ولٰكنه لم يوقف الحُلم يومًا ولا العمل على تخطيه لحظة. واستطاع العقل والإرادة المِصرية من تحطيم الخط الذي لا يُقهر. وهٰكذا يصبح نصر أكتوبر أملاً متجددًا أمامنا لتحقيق ما يراه الجميع مستحيلاً، بالفكر والعمل والإرادة، مع وَحدتنا جميعًا على هدف نسعى نحوه كلنا، ليمْكننا تخطي جميع العوائق التي توقف تقدمنا. إنه اختيارنا: اجتياز التحدي من أجل مستقبل يملؤه الأمن والسلام والرخاء، نصنعه بإيماننا وعملنا وأرواحنا، مثل ما صنع أبطال أكتوبر.
وتتردد في فكري أصداء كلمات أعجبتني عن أكتوبر ورسالته للكاتب الكبير “نجيب محفوظ”: “إن السادس من أكتوبر ثورة وليست معركة وحسْب؛ فالمعركة صراع قد ينتهي بالنصر أو بغيره، ولٰكن الثورة: وثبة روحية تمتد في المكان والزمان حتى تُحقق الحضارة، إنها رمز لثورة الإنسان على نفسه، وتجاوزه لواقعه، وتحديده لمخاوفه، ومواجهته لأشد قوى الشر عنفًا وتسلطًا. إن روح أكتوبر لا تنطفىء، فقد فتحت لنا طريقًا بلا نهاية. ليس العُبور سوى أول قفزة فى تيار تحدياته.”. إن أكتوبر ليس مجرد انتصار تحقق، بل هو رسالة وطريق، ماضٍ ومستقبل.
كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ