تحدثنا في المقالة السابقة “الورقتان” عن اختلاف رؤية كل إنسان إزاء ما يمر من أحداث في الحياة، ومن ثَم اختلاف التقييمات ورُدود الأفعال، وتطرقنا إلى أن أحد مبادئ الحياة أن يتمكن الإنسان من تدريب ذاته على أن يمتلك رؤية متكاملة للأمور بما تحمل من إيجابيات وسلبيات. ثم بدأنا قصة ذٰلك الرجل الذي أصدر حكمه على عام 2016م بأنه عام سيئ نتيجة ما مر به من أحداث. وفي المقابل، نجد رؤية مختلفة من زوجة الرجل: فحين قرأت كلماته، قدَّمت إليه ورقة أخرى، فأمسك الزوج بها ليقرأها.
كانت كلماتها تقول: “في السنة الماضية: أُجريَت لك جراحة لإزالة «المرارة» وشُفِيتَ من آلامها المبرِّحة التي ظلت تؤلمك سنوات طوال، وبلغت عامك الستين وأنت في صحة جيدة، وتعاقدوا معك لنشر عدد من الكُتب في موضوعات مهمة لذٰلك ستتفرغ للكتابة والتأليف، وفي العام نفسه تُوُفِّي والدك بعد أن عاش حياة مثمرة رائعة بالغًا عامه الخامس والثمانين ثم رحل في هُدوء بصحة جيدة أن يتسبب في ألم أو تعب لأيّ إنسان، أيضًا أنقذ الله ابننا من الموت في حادثة السيارة وشُفي دون أيّ آثار أو إصابات أو مضاعفات.”، ثم ذيَّلت كلماتها بالعبارة: “يا لَها من سنة أكرمنا الله بها وانتهت بكل خير!”. لقد حاولت الزوجة أن تقدم لزوجها ذٰلك الجزء المنير من الأحداث الذي لم تتطرق إليه أفكاره عَلَّه يرى قَبَسًا من نور وسْط الظلمة العارمة؛ فليست جميع جوانب الأحداث هي سيئة! بل لا بد أن هناك جوانب أخرى عليه أن يُدركها قبل إطلاق حكمه النهائيّ.
لقد كتب الزوج والزوجة عن الأحداث عينها التي مرت بهما في عام واحد، ولٰكن كانت لكل منهما زواية رؤية مختلفة، بل قد يرى بعضٌ أنهما زاويتان متناقضتان إحداهما تُعارض الأخرى إذ جاءت عبارة الزوجة الأخيرة مختلفة تمام الاختلاف عن عبارة زوجها. إلا أنني أجد أنهما متكاملتان تحملان رؤية أوسع للأحداث، ومن ثَم فَهمًا أدق للأمور؛ لذٰلك ليس من العدل والإنصاف أن ترى جزءًا واحدًا فقط من الوقائع سواء السلبيّ أو الإيجابيّ؛ فإنك حين تركز فيما هو سلبيّ فقط: فإنما أنت تُعطي الفرصة لمشاعر اليأس والحزن أن تتزايد وتتعاظم لتجثُم على صدرك كصخرة تحطم آمالك وأحلامك وقدرتك على المواصلة في الحياة. وحتى إن ركزت في الإيجابيّ فقط: فإنك إنما تحيط نفسك بجوّ ورديّ غير واقعيّ يجعل منك حين تُصادفك العقبات والسلبيات فريسةً لمشاعر إحباط تؤثر حتمًا بالسلب في خطواتك ومسيرتك نحو تحقيق ما ترغب. درِّب ذاتك أن ترى معظم ألوان الحياة كي تقترب إلى الواقع والاعتدال في حكمك على الأمور.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ