“الإنسانية” بكل ما تحمل في أعماقها من مشاعر عميقة ونبيلة هي تاج يكلل حياة من يعيشيها بكل معانيها مهما اختلفت الأزمان والأشخاص؛ إنها تحمل في طِياتها كل فكر راقٍ ومشاعر إيجابية نحو الجميع. وإن كان علينا أن نملأ سنوات العمر بالعلم والمعرفة والخبرات، فعلينا ألا ننسى تعلُّم المُضي فيها بإنسانية تشعُر بآلام الآخرين في محاولة لتخفيفها: فتلك هي السعادة بأسرها. كثيرون أمضَوا أعمارهم يبحثون عن السعادة في الحياة، لٰكنّ قليلين هم من تمكنوا من تحقيقها والسير بها في دُروبهم. فإن كانت الإنسانية تحترم الآخرين وتراعي مشاعرهم، فتحاول جاهدةً ألا تكون سببًا في إتعابهم، فهي أيضًا تجتهد لتفهُّم الآخرين ولمَلء حياتهم بالسعادة.
أمر آخر يتعلق بالإنسانية: من يتتبع أخبار العالم اليوم، يجد كثيرًا من الإحباطات، وتجاهل واسع في القيم، وتنازل بعضٍ عن إنسانيتهم بل عن أسمى ما فيهم!! وهو الأمر الذي يقود العالم إلى الإسراع نحو تدمير ذاته. إن الإنسانية ليست ـ كما يعتقد بعضٌ ـ طريق الضعفاء بل على النقيض: هي طريق الأقوياء القادرين على صنع طريق حيث لا طريق! وهي السبيل إلى الحفاظ على كينونة البشر والأوطان: فلا وطن دون بشر يتعلمون السبيل إلى ممارسة مبادئهم وقيمهم الإنسانية. يقولون: “ليست هناك أوطان، هناك الإنسانية فقط؛ وإذا لم نُدرك ذٰلك في أقرب وقت، فلن تكون أوطان، لأنه لن تكون فيها إنسانية.”؛ نعم: فالوطن تحميه إنسانية مواطنيه، إذ تجمعهم معًا في أنشودة تميز ونجاح لا تنقطع، في صلابة لا تقوى قوة على تحطيمها.
أيضًا حين تمارس مبادئك وإنسانيتك وتقترب إلى البشر، تتمكن حتمًا من اكتشاف الجانب الخيّر المختفي في أعماقهم، وتجد أن خيرًا عظيمًا في قلوب كثير منهم قد لا تكتشفه أول وهلة. يتحدث الزعيم الهندي “ألمهاتما غاندي” عن الإنسانية فيقول: “يجب ألا تفقدوا الأمل في الإنسانية. إن الإنسانية محيط، وحين ما تكون بضع قطرات من المحيط غير نظيفة، فهذا لا يعني أن المحيط بأسره صار غير نظيف!”.
وعلينا أن نتذكر أن الإنسانية والعطاء هما هبة للجميع دون تفريق في الجنس أو اللون أو الدين، فكما يقولون: “الإنسانية والرحمة لا يحدهما عمر أو ديانة، كما أنه لا عنوان لهما.”؛ إنهما قابعتان في داخل النفوس التي عرَفت معنى السعادة الحقيقية وسْط عالم يمتلئ بالألم والدُّموع، وفقدان أغلى ما في الإنسان: أن يكون إنسانًا!!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ