أيام معدودات ونحتفل بعيد الأم الذي تكرم فيه كل أم على دورها العظيم في حياة أبنائها وأسرتها ووطنها؛ إذ هي كما وصفها الكاتب الأديب “توفيق الحكيم”: “إن عقل المرأة إن ذبُل ومات فقد ذبُل عقل الأمة كلها ومات”.
وعندما نتحدث عن مشاعر الأمومة، لا نجد الأحرف والكلمات التي يمكنها أن تجسد وتوضح عمق تلك المشاعر! فهي قلب كبير يمكنه أن يسع العالم بأسره! وعينان دائمًا ما تنظر نحو السماء من أجل الحفاظ على أسرتها، وجهد لا يتوقف من أجل إراحة الجميع. تلك هي الأم الفاضلة التي ذكرها الحكيم في كلماته: “امرأة فاضلة، من يجدها؟ لأن ثمنها يفوق اللآلئ … هي كسفن التاجر تجلُِب طعامها من بعيد. وتقوم إذ الليل بعدُ، وتعطي أكلًا لأهل بيتها وفريضة لفتياتها … تبسُط كفَّيها للفقير وتمُد يديها إلى المِسكين. لا تخشى على بيتها من الثلج، لأن كل أهل بيتها لابسون حُللًا … يقوم أولادها ويطوبونها، زوجها أيضًا فيمدحها …”.
ومن المبادئ الثابتة في الحياة أن الإنسان الذي يعمل بمفرده بجهد وتعب وبإخلاص متفانٍ يحقق نجاحًا، ولٰكن الأجمل أن تتحقَّق الإنجازات بمشاركة الجميع في إنجاح العمل. فالأم التي تجاهد وتتعب دون مشاركة حقيقية من الأب تؤثر إيجابيًا في حياة أبنائها، ولٰكن تظل هناك دائمًا مساحة مظللة غير واضحة المعالم تُحدث كثيرًا من الارتباك في مشاعر الأبناء وفكرهم. إن في الأسرة الأدوار تتكامل لتصل معًا بالجميع إلى قمم النجاحات في الحياة؛ وهٰكذا يتمكن كثير من الأبناء من مشاركة أحدهم في قوله: “أمي لا تقدر بثمن، وأبي لن يكرره الزمن.”، فكل من الأم والأب هو مصدر الحب والاستقرار في حياة الأسرة، وكما قيل: “الأم تحب من كل قلبها، والأب يحب بكل قوته.”؛ وعلى كل طرف أن يحترم ويتفهم طريقة محبة الآخر دون تجريح أو إيلام أو ضُغوط.
ومع تماسك الأسرة، يزداد تماسك المجتمع وتتوصد أواصر العَلاقات بين أفراده، حتى يتحول إلى أسرة كبيرة يعمل كل فرد فيها من أجل خير بقية أفرادها؛ فينمو الجميع معًا في رابطة من المودة والمحبة والاحترام. وعلى المجتمع أن يُدرك أن بناء الأسرة السليم لا يعود بالنفع على تلك الأسر فقط بل هو تخطيط لمستقبل الأمة بأسرها.
كذٰلك علينا أن نُدرك دورنا جميعًا في الاهتمام بكل مَن فقد أبًا أو أمًّا أو الاثنين، مقدِّمِين لهم الاهتمام والمشاعر الطيبة والرعاية التي كانت تشملهم حال وجود آبائهم وأمهاتهم. إن المحبة والرعاية صفتان إنسانيتان مغروستان داخل فطرة كل إنسان فيمكننا أن نقدمهما للجميع وبخاصة لمن يحتاجون إليها. وفي العالم كثير من النماذج التي قدمت حياتها من أجل خدمة الآخرين، ونذكر منها من المعاصرين “الأم تريزا”. إن الحياة تتسع لكل عطاء من أجل الخير والإنسانية.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ