إلى وليد المذود:
قبل أكثر من ألفي عام، في ليلة شديدة البرودة، حالكة الظلام، وعلى مذود بسيط، أطل نجم ميلادك في سماء الكون؛ ليشرق في عالمنا، حاملاً معه رسالة إلى البشرية عُِنوانها: “السلام والفرح”؛ فأعلنت الملائكة تلك الرسالة في أنشودة للرعاة الساهرين، وقاد ذٰلك النَّجم حكماء المشرق من المجوس حيث قدموا إليك هداياهم. وهٰكذا سرت في الحياة بهجة لم يدركها العالم من قبل. إلا أن ميلادك لم يقبله الشر المتمثل في ملك أرضيّ لم يدرك رسالة ميلادك السمائية؛ فجال يبحث وينقب عنك محاولاً اقتفاء كل أثر ظانًا أنه يستطيع أن يغتال معاني المحبة والخير والسلام؛ لم يتوقف عن شره بل اندفع في قتل أطفال أبرياء في “بيت لحم” فانطلقوا شهداء. نعم، لم يتمكن شر “هِيرُودُس” من إطفاء وهَْج نَجمك المُشرق. وتمضي الأيام والأزمان، ومع كل محاولة لإطفاء بريق الأمل والرجاء الذي عرَفته الإنسانية لم ينجح الشر ولن يفعل! إذ إن الغلبة دائمًا تكون للخير النابع من طبيعة الله الضابط الكون كله.
ربما تلتفتَ اليوم نحو العالم والبشر: فتجد أن السلام يخبو رويدًا رويدًا من وفرة ما امتلأت به الحياة من صراعات ونزاعات ومشادات!! والمحبة فترت بين كثيرين واندثرت، والبقية الباقية انتُزع الحب من قلوبها انتزاعًا!! وكثير من البشر أصبح يسير من درب مظلم إلى آخر أشد ظلامًا إذ صار كلٌّ يعيش في جزيرة مخصوصة به. لٰكن ما يزال هناك بعض لم يفقد إيمانه بالخير الذي يجب أن يظلل المسكونة، حاملاً مصابيح الخير لينير ظلمات العالم، في رسالة عظيمة نحو البشرية من أجل تخفيف آلامها ومعاناتها.
وفي ليلة ميلادك، بينما نحتفل بذكراه، اسمح لي أن أطلب إليك:
ليشرق نَجم ميلادك، مرسِلاً شعاعًا من سلام يسري في العالم نازعًا كل قلق واضطراب وأنين،
وليشرق بالفرح الذي أُعلن للرعاة، ضامدًا كل جروح المتألمين، فائضًا بالعزاء السمائيّ على جميع القلوب الجريحة،
وليفِض بالبركات على كل محتاج أُغفلت العين عنه قصدًا أو سهوًا، وتُرك إلى احتياجه وضيق نفسه وشدته،
وليهِب المحبة والرحمة للقلوب التي ضلت وسْط طريق من القسوة، تحاول أن تواري ما تبقى من معالم الإنسانية،
وليُضِئ ذٰلك الليل من الظلم الذي أرخى سدوله في حياة البشر،
وليُشرق نَجم ميلادك بوهَْج الأمل على كل نفس التفَّت بها مشاعر اليأس.
لتمنحنا أن نحيا حقًّا أُنشودة ميلادك: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.”.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ