اليوم يوافق ذكرى رحيل “البابا شنوده الثالث” عن عالمنا. وعند الحديث عن “البابا شنوده الثالث”، تعجز الكلمات وتتردد أصداؤها حائرة إذ تتعدد جوانب شخصيته ومواهبه وتفرُّده في الحياة. ومن خبرات حياته وكلماته، أتحدث اليوم عن بعض المبادئ التي أرساها في حياة الإنسان اليومية، والتي ترتفع بفكره عن الضيق والألم فتملأ حياته بالسلام. فإن كنا قد تحدثنا في المقالة السابقة عن الإنسان الذي يواجه الصعاب فيقرر أن لا يستسلم للحزن أو الشفقة، بل يجعل من نفسه نموذجًا للقوة والجلَد والصبر وتخطي العوائق فيصبح شخصًا محفزًا أو ملهمًا لمن يلتقَونه مثل: الصبي “اسبارش”، و”نيكلوس فيوتشتش” أو “نيك” الرجل العائش بلا أطراف مبهرًا العالم، وهنا يقدم “البابا شنوده الثالث” مفهوم الضيقة فيقول: “إن الضيقة سُميت «ضيقة» لأن القلب ضاق عن أن يتسع لها. أما القلب الواسع فلا يتضايق بشيء.”. وهكذا تُعد أولى خطوات اجتياز المشكلات والضيقات في الحياة أن نبدأ في النظر بعمق في المشكلة، وأن ندرب أنفسنا على رحابة القلب من أجل أن نرتقي بنُفوسنا من الضيقات، والنظر بإيجابية لاجتيازها، فنجد طريقًا ومعنًى لحياتنا؛ وفي أثناء ذلك على الإنسان أن يزداد ثقة بمعونة الله وبحفظه له؛ فيتخطى الألم ليصل إلى الهدف كما قال قداسته: “ضَع الله بينك وبين الضيقة فتختفي الضيقة ويبقى الله المحب.”.
أما عن دور الآخرين في حياة أولئك البشر حتى يمكنهم أن يجتازوا الصعوبات وتصبح لهم تلك الشخصية المؤثرة، فهو مهم ومؤثّر؛ وقد ينطلق سؤالاً من بعض الناس سَُِرعان ما يتحول إلى سلوك سلبيّ عند كثيرين: وماذا تفعل كلمة، أو ابتسامة، أو تشجيع، إزاء تلك المصاعب الشديدة التي تقابل بعض البشر؟! ماذا تُغير من واقعهم؟! إجابتي: “إنها تصنع كثيرًا”!!
يقول “البابا شنوده” لمن يقدمون للآخرين: “أعطِ من قلبك قبل أن تُعطي من جيبك.”: أي عندما تقدم لأحد، عليك أن تقدم بمحبة كبيرة تسري في كلماتك ومواقفك، قبل أن تقدم مساعدات مادية أو عينية؛ فكثير من البشر يحتاجون إلى من يشعر بهم وبما يعانونه، ويعوزهم من يشاركهم ويستمع إلى آلامهم. وربما بتلك المشاعر الإيجابية يمكنك أن تساعد الإنسان الذي تجتاح نفسه عواصف اليأس فيرى شعاع ضوء ينفُذ وسط الغيم والزوابع التي تكتنف حياته فيبحر إلى شاطئ الأمان. لندرب أنفسنا جميعًا على الخير والعطاء بكل ما يمكننا أن نقدمه كما تعلمنا من مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”: “ليكُن الخير طبعًا فيك، وليكُن شيئًا تِلقائيًا لا يحتاج إلى جهد، مثله مثل التنفس عندك.”.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ