تحدثنا في المقالة السابقة عن ترْك الإنسان لصديقه في عدم إدراك ووعي لقيمة الصداقة وظلالها الوارفة التي تمنحنا بعضًا من الراحة في رحلة الحياة؛ وتكلمنا عن ترْك الصديق الحقيقيّ أنه نوع من التنازل عن مبادئ الحياة مثل: الوفاء، والإخلاص، والأمانة؛ تلك المبادئ التي تعكس عمق هُوَيَّتنا إذ تحمل في ثناياها عظم إنسانيتنا في الحياة.
إن المبادئ، يا عزيزي، لا تتجزأ في الحياة: فمن يعرِف الوفاء لن تجده إلا إنسانًا وفيًّا في كل مواقفه، ومن يحيا بأمانة وإخلاص لا يعرِف إلا أن يسلك بهمة واهتمام. فكُن وفيًّا لكل إنسان قدَّم لك إخلاصًا ومحبة وودًّا، فشعور الغدر يُدمي القلوب ويظل عالقًا بالفكر طويلاً ويصعب نِسيانه، وكما قيل:
وَلَا خَيَرَ فِي خِلٍّ يَخُونُ خَلِيلَهُ وَيَلْقَاهُ مِنْ بَعْدِ الْمَوَدَّةِ بِالْجَفَا
وقد جاءتني بعض التعليقات والتساؤلات عن أن هناك أصدقاء غير أوفياء في الحياة: أفلا نترك هؤلاء أيضًا؟!
بدايةً: الإنسان المخلص الوفيّ الأمين الصادق لا يمكنه أن يتخلى عن تلك الصفات في حياته، بمعنى أنه لا يمكنه أن يكون مخلصًا في موقف وغير مخلص في آخر! فتلك الصفات تكوِّن جزءًا من شخصيته ومبادئه التي لا يتنازل عنها بين موقف وآخر. ومثل ذلك الإنسان يكون أمينًا في جميع معاملاته إذ هو يؤمن بأن ما يقدمه من أمانة وخير سيجازَى عليه من الله – تبارك اسمه – فلا ينتظرُ مقابلاً من أحد، وبالفعل يجد في كل ما يتعرض له من مواقف مساندة الله له.
ثانيًا: حين نتحدث عن الأصدقاء فأنا أقصد تلك النماذج من البشر التي تحمل المحبة والوفاء المصاحبين لكلمة “صديق”؛ ومواقف الحياة لا الكلمات هي ما تعلِّم من هو الصديق الحقيقيّ كما قيل: “الأصدقاء بالمواقف وليس بطول السنين”. ومن المواقف التي تُظهر طبيعة الإنسان الحقيقية مواقف الغضب والخلافات؛ قال أحد الحكماء: “من غضِب منك ولكنه لم يفعل معك شرًّا فاتخِذه لك صديقًا، فإن الغضب يُظهر حقيقة البشر.”. إن الصديق الحقيقيّ لا يمكنه أن يؤذي صديقه مهما كانت قوته أو سلطاته فمحبته تقف حاجزًا تمنع الشر من المرور إلى حياته؛ إن ذلك الإنسان الذي يحاول أن يساعدك في أن ترتقي إلى الأفضل – وإن لم يستطِع – هو على الأقل يقف حائلاْ في طريق انحدارك ولن يسمح لك بالأسوأ. أيضًا في مواقف الاختلاف التي تمر بنا في الحياة، بالرغم من قساوتها، إلا أنه …. وللحديث بقية،،،
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبط الأُرثوذكسيّ