تحدثنا في المقالة السابقة عن “توازن الأدوار والأهداف” في حياة الإنسان حتى لا يَطغَى جانب على آخر. وتؤدي “المبادئ” دورًا مهمًّا في تحقيق توازن الإنسان، إذ من خلالها يختار الأهداف والوسائل المناسبة، وأيضًا تحَكِّمه في عَلاقاته بالآخرين. يقول أحدهم: “احترامي للآخرين لا يعني أني في حاجة إليهم، إنه مبدأ تربَّيتُ عليه.”. ومن أهم المبادئ التي يستحق أن ينتبه إليها الإنسان، إذ هو مصدر سلام في حياته، وغيابه يفتح الأبواب على مصاريعها للمشكلات، ويُعد شقيقًا للتوازن: “العدل”. إن تحقيق العدل في حياة البشر هو نوع من الاتزان والحكمة في حياتهم يجنبهم كثيرًا من الآلام وعدم الراحة. فالإنسان العادل يُدرك أنه لا يوجد إنسان سيئ أو إنسان جيد بنسبة مئة بالمئة، وأيضًا لا يوجد رأي صائب وآخر خاطئ مئة بالمئة؛ ولذٰلك فعند حكم الإنسان العادل على الأشخاص أو الأمور أو المواقف، يقِيم توازنًا بين العقل والعاطفة، ويفصل الآراء عن أصحابها، حتى يتمكن من الحكم عليها حكمًا صائبًا. كذٰلك العادل يحكم على المواقف نفسها دون النظر في أصحابها، ومدى قَبوله الشخصيّ أو رفضه لهم، حتى يتمكن من الحكم على الأمور بطريقة متوازنة عادلة.
العادات
من الممكن أن تحمل العادات التي ينشأ عليها الإنسان خطرًا على التوازن المطلوب في حياته. فالعادات الصحية الضارة تؤثر في جسده بالسلب كتأثير الاضطرابات والمشاحنات التي تؤثر تأثيرًا نفسيّصا ضارًّا، ومحاولة غرس الأفكار والسلوكيات التي تناقض القيم والمبادئ الإنسانية تدفع به إلى حافة الإنهيار والألم. والإهمال الروحيّ أو التشدد يخلق التوترات. وبذٰلك يُصبح شخصًا قاصرًا عن أداء مهامه وواجباته، وعَلاقاته بالآخرين ينتابها القلق والصراعات الشديدة.
الخطر
ويُعد فقدان الإنسان لتوازنه أمر غير مرغوب إذ يؤثر سلبًا في حياته وفي المجتمع. فبالنسبة إلى الإنسان، عدم الإتزان يفقده الاستقرار في مجالات الحياة كافة: الصحية، والنفسية، والعائلية، كما يمتد إلى مجال العمل؛ ويجعل الإنسان يتأرجح من النقيض إلى النقيض في الأفكار والمشاعر التي تؤثر بنحو سلبيّ جدًّا في حياته. أيضًا عدم التوازن يُفقد الشخص مبادئه ونظرته الحكيمة في الأحداث والمواقف والأمور فتجعله قاصرًا في تصرفاته، وظالمًا في أحكامه، يسير تائهًا في دُروب الحياة. أمّا المجتمع، فتكثر فيه الانقسامات، والاحتقان، والظلم، والتفكك، ما يؤدي إلى ضعفه وسقوطه. وفي المقابل يحمي التوازن من الميل والانحدار نحو المغالاة في أمر ما، ويمنح صاحبه أفقًا واسعًا في ظل حدة الاختلافات، ما يَزيد من التفكير الإيجابيّ لديه نحو المواقف والآخرين.
لذٰلك: ابدأ بمراجعة حياتك في جميع جوانبها: الشخصية، والأسرية، والعملية ـ سواء أكانت دراسة أم عملاً ـ وفي أهدافك، وواجباتك، وعَلاقاتك بالآخرين، وأفكارك ومشاعرك؛ وبالإجمال في مبادئك وعاداتك التي تحرك وتؤثر في كل تلك، وقُم بتقييمها واكتشف جوانب الضَّعف فيها، وقرر أن تبدأ في تصحيح ما تراه خطأً، متكلاً على الله، بإرادة قوية وعزيمة صادقة، في خُطوة جديدة نحو الحياة.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطي الأُرثوذكسيّ