إن كانت كلماتي اختتمت مقالة الأسبوع السابق “معًا .. للسلام” بأن البناء الذي نبتغيه يظل مرهونًا بـ”العمل معًا”، فإن ما نتمناه ونأمُله أيضًا في تخطي ما نتعرض له من صعوبات عمومًا على جميع الأصعدة لن يكون إلا بتضافر المِصريِّين وتكاتفهم جميعًا، وبالأخص في مجال العمل من أجل “مِصر المستقبل”.
إن المستقبل هو ـ كما ذكرت سابقًا ـ نتاج مباشر لما نصنعه اليوم، وهو ما يؤثر في الأجيال القادمة على سبيل تحمل مسؤولياتها نحو الوطن؛ ولذٰلك علينا أن نخطو إلى المستقبل بفكر واضح وأهداف تقود إلى الحياة التي نتمناها لنا ولأبنائنا، في استكمال لرسالة ومسيرة لشعب بدأ حضارته من آلاف السنين. نعم، إننا كثيرًا ما نُلقي بأنظارنا على الماضي لنستعيد تاريخًا مشرقًا كان له أعظم أثر في العالم، لٰكن تلك اللحظات ليست من أجل البكاء والنحيب على ماضٍ غابر، يعتقد بعض الناس أنه لن يعود، إنما هو نظرة فيما حققه أجدادنا من عظمة حضارية على جميع أصعدة الحياة من علوم وفنون وآداب، لندرك مدى المسؤولية الواقعة علينا وعلى الأجيال من بعدنا لاستكمال المسير. إنها استعادة لكينونة وإمكانات وهبها الله لـ”مِصر” التي حباها بكثير من الخيرات والبركات، وعلينا أن ندرك أهمية دورها، ونقدم لها من الجهد والعمل والحب ما يصون لها كرامتها وعزتها ويعيد إليها ريادتها. فيجب أن نستثمر جهودنا جميعًا من أجل البناء والسلام والرقيّ، لا لنُهدِرها في تشتت وعنف وإراقة دماء!
أيضًا لا يمكن أن نتجاهل وجود صعوبات تعترض الطريق، ولٰكن علينا أن نعمل، فكثير من البلاد التي فقدت كل شيء واستطاعت أن تبني أكثر بكثير مما خسَِرته! والمِصريّ قادر على الصمود؛ فحين ننظر على تجارِب الماضي، يمكننا أن نرى سمات شخصية المِصريّ المميزة: فهو قادر على الابتكار، والتعلم، والوصول إلى أعلى درجات النجاح؛ وهٰذه نراها في شخصيات مِصرية منذ التاريخ السحيق للبشرية إلى يومنا هٰذا في جميع المجالات، فعلى سبيل المثال لا الحصر: نجد أن أطباء “مِصر” من الفراعنة أدركوا كثيرًا من الأسرار والعلوم التي اكتشفها العالم بعد آلاف السنين، ونرى اليوم تميز من أطباء مِصريِّين كثيرين في العالم، إلى جانب علماء مِصريِّين أثبتوا براعتهم الشديدة في جميع المجالات. وليس بغريب علينا أن “تحتمس الثالث” الذي استخدم في معركة “مَجِدّو” تكتيكات عسكرية ومناورات لم تكُن معروفة آنذاك هو جد المِصريِّين الذين قهروا “خط بارليف”. وهٰكذا على المِصريّ أن ينتبه إلى إمكاناته الموهوبة من الله ليكتشفها ويعمل بها ويتقن بها أعماله؛ وهٰذا لن يتأتى إلا بالعمل وبذل الجُهد والتعب؛ فالحياة بكل ما تحمل هي مبادئ يعيشها الإنسان.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ