إلى الله:
لا تدري كلماتي كيف تخطو إلى الحديث معك! فهي ضعفية واهية تكاد لا تخرج جراء ألم يعتصر قلوبنا جميعًا؛ أكتب رسالتي إليك، وأنا أؤمن كل الإيمان أنك تنصت لكلماتي بكل ما تحمله من مشاعر ألم وحزن، من أجل عالم ينحدر مسرعًا من جمال خلقته نحو دمار اختاره لنفسه!! من أجل إنسانية خُلقت على أجمل صورها وأبهاها إلى صورة أخرى لا نعرف لها ملامح سوى القسوة!!
ما أصعب تلك اللحظات التي تمر بنا في أحداث متلاحقة أدمت قلوبنا!! قتل لأنفس لم تقترف ذنبًا أو تسيء لأحد: في كنيسة، أو مسجد، أو بين أفراد يؤدون واجبهم الوطني؛ محاولات لنشر ظلال الحزن والألم في بلادنا، في زمن كان يجب أن تتضافر أعمالنا وأحلامنا لنقدم لأطفالنا طريقًا مهدناه لسيرهم نحو إنجازات قادمة، فإذا هم يجدون بدلاً من الأمل ألمًا! وبدل الحياة الكريمة موتًا شنيعًا!!
لقد جعلتنا، يا الله، مسؤولين عن حفظ الكون وإعماره وبنائه، ولٰكن رويدًا رويدًا نسِيَ كثيرون هدف ما خُلقوا من أجله، ومع نِسيانهم نُسيت منهم أيضًا تلك المسؤولية. نعم، لقد وهبت، يا إلٰهي، لجميع البشر حرية اختيار كل منهم ملامح طريقه في الحياة: أن يطبَع عليه سمات الخير، أم دمامة الشر؟! الزرع والإثمار، أم الجَرْف والقحط؟! أن يكون نبعًا للأمل، أم تُغتال الأحلام؟! أثق أن كل منا سوف يُعطِي حسابًا عن كل لحظة عاشها من عمره، ولحساب من كانت: ألنور، أم الظلمة؟ وبمعنى أدق: ألخير، أم الشر؟ سيُسأل كل منا عن تلك الصورة من المحبة، والرحمة، والود، والإنسانية التي أردتَنا أن نكون عليها، وما فعلناه حيالها.
أنت ما تزال وتبقى إلى الأبد، يا الله، قريبًا منا، لا كما يدّعي البعض أنك بعيد جدًّا!!! إنك ـ تبارك اسمك ـ تعرِف آلامنا وأحزاننا، آمالنا وأحلامنا. ما تزال مالك الكون، لا يُرد لك أمر، وضابط جميع الأمور في حياتنا، ما يزال خيرك يملأ قلوب كثيرين، وإن بدَوا قلة وسْط خضم الحياة واضطراباتها.
لذٰلك، أدعوك، يا إلٰه الكون: أن تُرسل سلامك فيغمر العالم، فما أشد الاحتياج إليه!! أن تهب للبشر طمأنينة في خضم تلك الاضطرابات العنيفة التي يجتازونها، أن تُشرق بالخير على نُفوسنا وحياتنا فتنقشع الظلمة التي تكتنف طريق حياتنا، ونسير جميعًا حاملين الخير لكل إنسان؛ وهٰكذا يضيء الكون بجمال الإنسانية التي خلقتَها فينا. أنعِم، يا رب، على القلوب المتألمة والأنفس المتضايقة بالراحة والصبر، فعظمتك ترفع ضعفنا، وقوتك تشدد من أزرنا، ومحبتك تملأ العالم، وإن حاولت قوى الشر إخفاءها!
آمين.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ