كل عام وجميعكم بخير بمناسبة الاحتفال بـ«عيد الأضحى» الذى يحتفل به إخوتنا المسلمون فى «مِصر» والشرق الأوسط والعالم، ونتمنى كل خير وسلام ورقىّ لبلادنا.
تحدثنا فى المقالة السابقة عن «البَرامِكة» ودَورهم فى أثناء الحكم العباسى وبالأخص فى أيام الخليفة «هارون الرشيد»، وعرضنا لنكبة «البَرامِكة» وبعض من أسباب الوقيعة بينهم وبين الخليفة التى ذكرها المؤرخون، وموت «جعفر بن يَحيى» وسَجن أبيه «يَحيى بن خالد» حتى وفاته فى السِّجن، وأعقبه موت ابنه «الفضل». وقد أشرنا فى عجالة إلى دَورهم فى مجالات العلم والأدب والترجمة والطب وفن العمارة؛ وقد ذكر «الطبرى»: (لَما أراد «المنصور» بناء «بغداد» شاور أصحابه فيها، وكان ممن شاورهم «خالد بن بَرْمَك» فأشار بها. وذُكر أن «خالد بن بَرْمَك» خط مدينة «أبى جعفر» له وأشار بها عليه…). وقد ورد ذكر «نكبة البَرامِكة» فى كتب المؤرخين، وقيل إن «هارون الرشيد» نفسه كان عند ذكرِهم يَبكيهم؛ وقد رثاهم شاعره «أبونواس» بأبيات منها:
وَقُلْ لِلْمَنَايَــا: قَدْ ظَفَرْتِ بِـ«جَعْفَرٍ» وَلَنْ تَظْفُرِى مِنْ بَعْــدِهِ بِمُسَــوَّدِ!
وَقُلْ لِلْعَطَايَـا بَعْدَ «فَضْلٍ»: تَعَطَّلِى! وَقُلْ لِلْرَزايَا كُلَّ يَوْمٍ: تَجَدَّدِي!
وَدُوْنَـكَ سَيْــفًا بَرْمَكِــىًّا مُهَنَّـــدَا أُصِيبَ بِسَيْـــفٍ هَاشِمِــىّ مُهَنَّــدِ!
[المَنايا: جمع المَنِىَّة وهى الموت، المُسَوَّد: مَن سُوِّد أو جُعل سيدًا، الرَّزايا: المصائب، دُونَكَ: حذارِ، مُهَنَّد: مُشْحَذ أو مُحَدّ السُّنون].
نهاية حكم «الرشيد»
فى عام ١٩٢هـ (٨٠٩م)، خرج «الرشيد» من «بغداد» إلى «خُراسان» لإخماد ثورة «رافع بن ليث» هناك، مصطحبًا معه ابنه «المأمون»، ولٰكنه مرِض فى الطريق واشتد عليه المرض ومات فى قرية تُسمى «سِنْباد»، وهو فى الثانية والأربعين، بعد أن حكم قرابة ثلاثة وعشرين عامًا ونصف العام، ثم تولى الخلافة من بعده ابنه «مُحمد الأمين». ويذكر المؤرخون أن «الرشيد» كان من أشهر مُلوك التاريخ وأعلاهم قدرًا، وكان شديد الانفعال، متفانيًا فى خدمة شعبه، ساهرًا على أمور مملكته، وبلاطه الملكى لا مثيل له فى عصره، وفى أيامه ازدهرت العُلوم والآداب والفُنون والترجمة، إذ كان يُجل العلم والعلماء.
أمّا عن «مِصر» فى أيام الخليفة «هارون الرشيد»، فقد شهِدت عددًا كبيرًا من الحكام، حتى إن بعضهم قضى أشهرًا فقط فى حكمها!! وكان «الرشيد» قد عزل «علىّ بن سُلَيمان» عن حكم «مِصر» وولَّى مكانه «موسى بن عيسى».
«موسى بن عيسى» (١٧١-١٧٢هـ) (٧٨٧-٧٨٩م)
هو «موسى بن عيسى بن موسى»؛ وقد ولّاه الخليفة «هارون الرشيد» على «مِصر» بعد أن عزل «علىّ بن سُلَيمان»؛ وقد تولى من قَبل حُكم: «الحرمين»، ثم «اليمن»، ومن بعدها «مِصر». وقد أذن للقِبط ببناء كنائسهم التى هدّمها «علىّ بن سُلَيمان» بعد أن أشار عليه بذٰلك قاضياه «اللَّيث بن سعد» و«عبدالله بن لُهَيعة». ويذكر المؤرخون أنه كان عادلاً، حسَن الإدارة، كريمًا ممدوحًا، فيه رفق بالرعية وتواضع فأحبته. استمر فى حكم «مِصر» حتى عزله الخليفة وولَِّى «مسلمة بن يَحيى»؛ فكان حكمه على «مِصر» عامًا وخمسة أشهر تقريبًا؛ وكان قد ولّاه الخليفة حكم «الكوفة»، ثم «دمشق»، ثم عاد إلى حكم «مِصر» مرة ثانية.
«مُسلمة بن يَحيى» (١٧٢-١٧٣هـ) (٧٨٩-٧٩٠م)
هو «مُسلمة بن يَحيى بن قُرة بن عبيد الله الخُراسانىّ» ـ فأصله يعود إلى «خُراسان»؛ تولى حكم «مِصر» من قِبل الخليفة «هارون الرشيد»، وجاء إليها ومعه عشَرة آلاف من الجُنود. وقع فى عهده كثير من الفتن والأحداث فى «مِصر»؛ فعزله الخليفة وولَّى مكانه «مُحمد بن زهير الأزدىّ»، فكانت مدة حكمه أقل من عام، وقيل أحد عشَر شهرًا.
«مُحمد بن زُهَير» (١٧٣هـ) (٧٩٠م)
هو «مُحمد بن زُهَير الأَزْدىّ»؛ تولى شُؤون «مِصر» من قِبل الخليفة بعد عزله لـ«مسلمة»، ولم يستمر فى حكم «مِصر» سوى بضعة أشهر قليلة؛ وذٰلك لأنه ولَّى شخصًا على جمع الضرائب يُدعى «عُمر بن غَيْلان» شدد على المِصريين؛ فكرِهه أفراد الشعب وثاروا عليه ومعهم الجند، وحاصروه فى داره ولم يقف معه الوالى؛ فلما بلغ الأمر إلى الخليفة عزله لعدم نصرته لـ«عُمر بن غَيْلان»، ووضع بدلاً منه «داوُد بن يزيد» لحكم «مِصر».
«داوُد بن يزيد» (١٧٤-١٧٥هـ) (٧٩٠-٧٩١م)
هو «داوود بن يزيد بن حاتم المهلبىّ»؛ تولى شُؤون «مِصر» من قِبل الخليفة «هارون الرشيد» بعد عزله لـ«مُحمد بن زهير»، وقدم معه «إبراهيم بن صالح بن علىّ العباسىّ» على الخراج، أى الضرائب. اهتم بأمور البلاد وأخرج بعضًا من الجُنود ـ ثاروا على «عُمر بن غيلان» ـ إلى بلاد «المغرب»، وآخرين إلى بلاد المشرق. وطلب منه الخليفة أن يأخذ البَيعة من المِصريين لابنه «مُحمد الأمين» من بعده. ويُذكر أن الأمن والهدوء حلّا بالديار المِصرية، وظل «داوود» حاكم البلاد حتى عزله الخليفة وأعاد «موسى بن عيسى» لحكمها مرة ثانية؛ فكانت مدة ولايته قرابة العام.
«موسى بن عيسى» (١٧٥-١٧٦هـ) (٧٩١-٧٩٢م) (الثانية)
تولى «موسى بن عيسى» حكم مِصر مرةً ثانية بعد عزل «داوود بن يزيد»، ثم بدأ يفكر فى الانشقاق على الخليفة «هارون الرشيد» الذى لما بلغ إليه هٰذا الأمر عزله؛ وذكر بعض المؤرخين أنه حين وصله أمر «موسى بن عيسى» قال: «واللهِ لا عزلتُه إلا بأخَسّ (بأحقر) مَن على بابى»؛ وقال لوزيره «جعفر بن يَحيى»: «ولـ(مِصر) أحقر مَن على بابى وأخسهم (أكثرهم خِسّة)»؛ فأرسل «جعفر» «عُمر بن مِهران» إلى «مِصر». وهناك من قال إن الولاية كانت لـ«جعفر بن يَحيى» وهٰكذا يكون «عُمر بن مِهران» نائبًا عنه. ويذكر آخرون أن «عُمر» هٰذا كان على جمع الضرائب فقط. وكثيرون قالوا إن «إبراهيم بن صالح» هو من خلف «موسى» بعد عزله، وقد قضَّى قرابة العام فى حكم «مِصر».
«إبراهيم بن صالح» (١٧٦هـ) (٧٩٢م) ـ الثانية
تولى حكم «مِصر» مرةً ثانية من قِبل الخليفة «هارون الرشيد»، فأرسل بإنابة «عسّامة بن عَمرو»، فى الوقت الذى جاء «نصر بن كُلثوم» على جمع الضرائب. ثم تُوُفّى «عسّامة»، فأرسل «رَوح بن زنباح» حتى جاء «إبراهيم بن صالح» إلى «مِصر»، ولٰكنه لم يحكمها طويلا إذ تُوُفى فى العام نفسه بعد أن قضَّى شهرين ونصف الشهر تقريبًا فى الحُكم؛ فقام بإدارة شُؤونها بعد موته ابنه «صالح» إلى أن تولاها «عبدالله بن المُسَيب».
«عبدالله بن المُسَيب» (١٧٦-١٧٧هـ) (٧٩٣م)
هو «عبدالله بن المُسَيب بن زهَير بن عمرو الضِّبِىّ»؛ تولى أمر «مِصر» بعد موت «إبراهيم بن صالح»، ولم يطُل حكمه عليها سوى عشَرة أشهر تقريبًا، ثم تولى «إسحاق بن سليمان» بدلاً منه. وفى زمن حكمه القصير، حارب أهل «الحوف»، وعندما استنجد به «هشام» فى «الأندلس»، جهز الجُيوش لٰكن جاءه الأمر بعزله.
«إسحاق بن سُلَيمان» (١٧٧-١٧٨هـ) (٧٩٣-٧٩٤م)
يسمَّى «إسحاق بن سُلَيمان بن علىّ بن عبد الله بن العباس الهاشمىّ العباسىّ»؛ تولى حكم «مِصر» بعد عزل «عبدالله» فى زمن الخليفة «هارون الرشيد». قام «إسحاق» بزيادة الضرائب زيادةً فاحشة على المزارعين فثار عليه المِصريون، وحاربه أهل «الحوف» فقاتلهم حتى أُهلك كثيرون من أتباعه. فأرسل إلى الخليفة يعْلمه بالأمر فعزله عن حكم «مِصر» وأرسل «هَرْثَمة بن أَعيَن» بدلاً منه على رأس جيش كبير؛ وكانت ولايته قد قاربت العام. ويذكر «ابن الأثير» عن هٰذه الأحداث: «وفى هٰذه السنة (١٧٨هـ)، وثب «الحوفية» بـ«مِصر» على عامِلهم (والِيهم من قِبل الخليفة) «إسحاق بن سُلَيمان» وقاتلوه، وأمده «الرشيد» بـ«هَرْثَمة بن أَعيَن» وكان عامِل فِلَِسطين، فقاتلوا «الحوفية» ـ وهم من «قيس» و«قُضاعة»، فأذعنوا بالطاعة وأدَّوا ما عليهم للسلطان. فعزل «الرشيد» «إسحاق» عن «مِصر» واستعمل (جعل عامِلاً) عليها «هَرْثَمة» مقدار شهر، ثم عزله واستعمل عليها (عبدالملك بن صالح)».
وعن… «مِصر الحُلوة» الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأُرثوذكسىّ