تكلمنا فى المقالة السابقة عن تفجر المشكلات التى أدت إلى اندلاع سلسلة من الحُروب بين «الأمين» و«المأمون»، بدأت بإرسال «الأمين» جيشه إلى مدينة «الرِّيّ» لمحاربة «المأمون» وتقييده وإحضاره إلى «بغداد»، ثم باءت بالفشل. إلى أن بدأت قوات «المأمون» فى الزحف نحو «بغداد» من الشرق والغرب، فى الوقت الذى بدأت قوى «الأمين» تخور حيث تزايدت الثوْرات ضده، مع محاولة «الحسين بن عليّ بن عيسى» خلعه. وفى تلك الأثناء، تقدمت جُيوش «المأمون» واستولت على «فارس»، ثم «واسِط» فـ«الكوفة»، تلاها مدينة «البصرة»، ثم «المدائن»؛ وأصبح الطريق إلى «بغداد» ممهدًا أمام قوات «المأمون»؛ وكان ذٰلك فى عام 196هـ (812م).
الاستيلاء على «بغداد»:
حاصرت جُيوش «المأمون» مدينة «بغداد» من جهة الغرب بقيادة «طاهر بن الحسين»، ومن جهة الشرق بقيادة «هَرْثَمة»، واستمر الحصار أكثر من عام؛ فكانت فترة ضيقة وشدة عظيمتين على المدينة مات فيها كثيرون وعمت الفوضى أرجاءها. إلا أن أهل «بغداد» دافعوا عنها دفاعًا مستميتًا حتى تمكنت جُيوش «المأمون» بقيادة «طاهر بن الحسين» من دُخول «بغداد» حيث خُرِّب كثير من الأماكن بها، وقُتل كثيرون من أهلها، وهُدِّمت القُصور الفخمة.
ويذكر بعض المؤرخين أن قواد «الأمين» بدأت فى الانضمام إلى جيش «المأمون» واحدًا تِلو الآخر، فى حين وقف أهل «بغداد» إلى جانبه حتى عام 197هـ حيث اتفق كل من القائدين «طاهر» و«هَرْثَمة» على الهجوم على المدينة معًا. وهٰكذا بدأ الخناق يضيق على «الأمين» فأدرك أن الأمر قد بات فى مصلحة جُيوش «المأمون»؛ فترك «قصر الخُلد» إلى «قصر القرار» حيث سكن بضعة أيام وقيل ثلاثة، وأخيرًا لم يجد أمامه سوى خيارين الاستسلام أو الهرب؛ ففكر فى الهرب إلى بلاد «الشام»، لٰكنه فى نهاية الأمر فضَّل أن يسلِّم نفسه للقائد «هَرْثَمة». وهٰذا ما كان، فى حين تسلَّم «طاهر» خاتم الملك وعباءة الخلافة وسيف الخليفة. وقد اختلف المؤرخون فى وصف تفاصيل نهاية «الأمين»: فمنهم من ذكر أنه خرج مع القائد «هَرْثَمة» إلى شاطئ نهر «دجلة» حتى يُنقل فى قارب إلى معسكره، وأنه ما إن ابتعد القارب قليلًا حتى أمطره جند «طاهر بن الحسين» من «الفرس» بالحجارة والسهام فانقلب القارب وكاد «هَرْثَمة» أن يموت غرقًا لولا إنقاذ أحدهم إياه؛ ومنهم من ذكر أنه بعد أن سلَّم «الأمين» نفسه للقائد «هَرْثَمة»، خرج هو وأتباعه عابرين نهر «دجلة» فى قارب صغير انقلب بفعل الزحام. أمّا «الأمين»، فقد عبر إلى ضفة النهر الأخرى سباحةً حتى تمكن من الخروج؛ فقبض عليه الجند ووضعوه أحد المنازل الصغيرة، لكنّ جماعة من الفرس قتلوه ـ قيل بأمر من «طاهر» فى الليل؛ وكان ذٰلك عام 198هـ (812-813م). وهٰكذا تولى الخلافة أخوه «عبد الله المأمون».
وُلاة «مِصر»:
أمّا عن وُلاة «مِصر»، فقد توقفنا عند «إسماعيل بن صالح» الذى تولى حكمها من قِبل الخليفة «هارون الرشيد» فى المدة ١٨٢-١٨٣هـ (٧٩٨-٧٩٩م)، الذى عُزل وحكم من بعده «إسماعيل بن عيسى».
إسماعيل بن عيسى (183هـ) (799م)
يُدعى «إسماعيل بن عيسى بن موسى بن مُحمد»، ولّاه «هارون الرشيد» حكم «مِصر» ثلاثة أشهر تقريبًا، توجه بعدها إلى الخليفة «هارون الرشيد» الذى أكرمه وأبقاه لديه حتى عام 189هـ (804م) حيث وجَّه «إسماعيل» إلى الغزو، ثم تولى أمر «مِصر» من بعده «الليث بن فضل».
الليث بن فضل (183-187هـ) (799-803م):
هو «الليث بن الفضل الأيبورديّ»، تولى حكم «مِصر» وجمع ضرائبها معًا زمنًا، حتى توجه إلى الخليفة «هارون الرشيد» فى عام 184هـ (800م)، تاركًا أمور الحكم لأخيه «عليّ بن الفضل» الذى عيَّنه من قَبل على الشرَْطة. ظل «الليث» حتى نهاية العام مع الخليفة، ثم عاد إلى «مِصر» واستمر على حكمها إلى أن غادرها مرة أخرى متوجهًا إلى الخليفة فى عام 185هـ (801م)، تاركًا حكمها لـ«هشام بن عبد الله بن عبد الرحمٰن». عاد «الليث» إلى «مِصر» عام 186هـ (802م)، وكان يجمع ضرائب «مِصر» ويوفى الجنود أموالهم ثم يتجه إلى الخليفة؛ حتى قام عليه أهل «الحوف» فى ذٰلك العام 186هـ فحاربهم، ثم استخلف «عبد الرحمٰن بن موسى» على حكم «مِصر» الذى حارب أهل «الحوف» فهزموا جنوده أولًا، ثم عاد وحاربهم وقتل منهم كثيرين. عاد «الليث» إلى «مِصر»، ووجد أن أهل «الحوف» قد امتنعوا عن تسديد الضرائب، فطلب إلى الخليفة «هارون الرشيد» أن يُرسل معه جيشًا للحصول على ضرائب أهل «الحوف»، فرفض الخليفة وأرسل شخصًا يُدعى «محفوظًا» تمكن من جمع الضرائب دون إحداث أيّ قلاقل! فما كان من الخليفة إلا أن وضعه لجمعها؛ ثم عزل «الليث» فى عام 187هـ (803م) فكانت مدة حكمه على «مِصر» قرابة أربعة أعوام وسبعة أشهر. وقد حدث فى أيامه أن بايع الخليفة «هارون الرشيد» ابنه «القاسم» ولاية العهد بعد أخويه «الأمين» و«المأمون» وولّاه «الجزيرة» و«الثغور»، وأحداث نكبة «البَرامِكة». وتولَّى حكم «مِصر» «أحمد بن إسماعيل» من بعد «الليث».
«أحمد بن إسماعيل» (187- 189هـ) (803-805م):
ويطلَق عليه «أحمد بن إسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن العباس»؛ وفى أيام حكمه استنجد به «إبراهيم بن الأغلب» أمير «إفريقية» لمقاومة أهل «طرابلس» الغرب الذين كانوا يرفضون وُلاتهم ويطردونهم؛ فأمَّده بالجنود حتى استتب له الأمر. وقد تولى «أحمد بن إسماعيل» حكم «مِصر» قرابة عامين ثم استُبعد من حكم «مِصر» عام 189هـ (805م) وتولى حكمها «عبدالله بن محمد العباسي».
«عبدالله بن مُحمد» (189-190هـ) (805-806م):
هو «عبدالله بن مُحمد بن إبراهيم» ـ الأمير «أبو مُحمد الهاشمي»؛ ولّاه «الرشيد» بعد عزل «أحمد بن إسماعيل»، ولٰكن لم تطُل مدة حكمه على «مِصر» فعُزل فى عام 190هـ (806م) بعد أن قضَّى بها قرابة ثمانية أشهر ونصف الشهر، ثم تولى «الحسين بن جَمِيل» أمور «مِصر».
«الحسين بن جَمِيل» (190-192هـ) (806-808م):
يسمَّى «الحسين بن جَمِيل»، ولّاه «الرشيد» حكم «مِصر»، ثم ضم إليه مسؤولية جمع الضرائب عام 191هـ (807م)؛ فتشدد جدًّا مع المِصريِّين فى تحصيلها؛ فثار عليه أهل «الحوف» بالشرق من الوجه البحْريّ ورفضوا دفع الأموال، حتى إنه قام رئيس لهم يُدعى «أبا النداء»، معه ألف رجل قطعوا الطريق وتنقلوا بين المدن مُغِيرين على بعض قرى «الشام»، وانضم إليهم عدد كبير من البشر، فقاموا بالنهب والسلب حتى بلغ أمرهم الخليفة؛ فأرسل جيشًا لقتالهم هزم «أبا النداء» ثم وصل إلى «بلبيس».
فلما رأى أهل «الحوف» ما حدث أطاعوا، وقدموا ضرائبهم، فعاد جيش «الرشيد» إلى «بغداد». واستمر «الحسين بن جَمِيل» فى حكم «مِصر» حتى عُزل فى عام 192هـ (808م)؛ مُمضيًا فى الحكم قرابة عام وسبعة أشهر؛ ثم كان أن تولى أمور البلاد «مالك بن دَلْهَم».
«مالك بن دَلْهَم» (192-193هـ) (808-م):
هو «مالك بن دَلْهَم بن عيسى»؛ تولى حكم «مِصر» من قبل الخليفة «هارون الرشيد»، مستمرًا عامًا وخمسة أشهر تقريبًا، حتى عُزل بـ«الحسن بن البَحْباح».
«الحسن بن البَحْباح» (193هـ) (809م):
تولى «الحسن بن البَحْباح» حكم «مِصر»، وظل فى حكمها حتى تُوُفِّى الخليفة «هارون الرشيد» فى جُمادَى الآخِرة من سنة 193هـ (809م). ومع تولى «الأمين» أمور الخلافة، ثار جند «مِصر» على «الحسن» ودارت حرب معه قتل فيها كثير من الفريقين، إلى أن استتب الأمر «للحسن» وجمع ضرائب «مِصر» وأرسلها إلى الخليفة. واستمر «الحسن» على حكم «مِصر» عامًا وشهرًا واحدًا فقط، ثم تولى حكم «مِصر» «حاتم بن هَرْثَمة» من قِبل الخليفة «الأمين».
وقد تأثرت «مِصر» بالصراع الذى جرى بين الأمين والمأمون، و… وعن «مصر الحلوة» الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأُرثوذكسىّ