تحدثت المقالة السابقة ببعض أسباب الصراعات التى تُفتت المجتمع وتمنع سلامه: كالجهل، والتعصب، والظلم، وعدم قَبول الآخر، وبأن غرس مفهوم «التنوع» يحتاج كثيرًا من العمل الجادّ.
وكما أن «التنوع» إحدى الدعائم، فإن قَبول «التنوع» مبنىّ على فكرة «التعايش معًا»، فأبناء الوطن الواحد يجب أن يُدركوا معًا حتمية وحدتهم من أجل تقدمه وثباته. فما من شك أننا جميعًا مسافرون بسفينة واحدة: متى تعرضت للغرق غرق الجميع، ومتى فقدت سبيلها ولم تصل تاه الجميع، وحين تنجح فالجميع ناجحون. إن التعايش معًا هو مفتاح الاستقرار والنجاح.
إن إحدى أهم الحقائق إلى الاستقرار والنجاح والازدهار فى أى وطن هى كلمة «معًا». ولنكن «معًا» علينا أن نعرف الطريق إلى «التعايش معًا». إن إحدى رسائل التاريخ بالغة الأهمية إلينا: أننا «معًا» نستطيع تحقيق مرادنا، أما الانقسامات فليس لها إلا مصير واحد: الفشل والهزيمة. أود أن أضع أمام حضراتكم حدثين من صفحات التاريخ المِصرى، فيتضح الفارق فى نتائج موقفين: حين يكون أبناء الوطن معًا، وحين يتفرقون.
عندما نتأمل معركة «التل الكبير»، نرى هزيمة «عرابى» والجيش، وانتصار القوات البريطانية، بعد أن استغرقت المعركة 30 دقيقة تقريبا!! وقد كتب «عرابى» فى مذكراته، فى أثناء طريقه إلى النفى إلى جزيرة «سيلان»، أنه أُلقى القبض عليه قبل أن يتمكن من ارتداء حذائه العسكرىّ!! هذا على الرغم مما حققه من نجاح سابق حين فشِل البريطانيون فى دخول «كفر الدوار» لِما أظهره الجيش المِصرىّ من بسالة. ويتضح الأمر حين نُدرك أن سبب الهزيمة هو الخيانة وعدم وَحدة صف الجميع معًا، فقد وجد العدُو من مده بمعلومات عن ثغرات فى الجيش، فكانت الهزيمة والاحتلال.
وفى المقابل، نجد محاولات الاحتلال غير المتوقفة لأجل تفتيت الوَحدة المِصرية إبان ثورة 1919 م، لكنّ المِصريين لم يُخدعوا وظهرت قمة حركتهم الوطنية، فيذكر أحد المؤرخين: «كانت ثورة شعبية قلبًا وقالبًا، حيث تشارك فيها الجميع: الفلاح والعامل والموظف، المرأة والرجل، المسلم والمَسيحىّ، ومن هنا تجلت الحركة المِصرية»، ونجحت الثورة فى بلوغ مطالبها.
إن وحدة أبناء الوطن «معًا» لتمنحهم:
■ قوةً: فلا قوة تعادل قوة اتحاد البشر معًا لتحقيق أمر ما، ومن أزهى الأمثلة «الهند»: كيف بتوحد شعبها معًا استطاعت تحرير أراضيها من الاحتلال البريطانىّ، دون إطلاق رصاصة واحدة!! أما «ألمانيا» فقد حققت إعادة بنائها، بعد تدميرها فى «الحرب العالمية الثانية»، وهكذا أيضًا «اليابان»: على الرغم من تعرضها للقصف بقنبلة ذرية، صارت من أعظم قوى العالم فيما بعد. لذا، علينا أن نُدرك هذه الحقيقة: «متحدون نقفْ. متفرقون نسقطْ»، ملتفتين إلى قول الزعيم الأمريكىّ «مارتن لوثر كينج» ـ الذى عاش حياته يناضل ضد التفرقة العنصرية فى بلاده: «علينا أن نتعلم العيش معًا إخوةً، أو الفناء معًا أغبياء»!.
■ نجاحًا: يقال: «لا يتم عمل والتعاضد مفقود، ولا يكون فشل والاتحاد موجود»، نعم، فأبواب النجاح مفتوحة على مصاريعها لمن يعرفون ويُدركون معًا معنى وجودهم وقيمته، ويركزون فى أهدافهم، للوصول إلى القمم وتحقيق الإنجازات، وهذا ما أقره عظماء حققوا نجاحات وإنجازات هائلة سواء على المستوى الفردىّ أو الجماعى: كالأسطورة «هيلين كيلر» التى بَهرت العالم، القائلة: «(وحدنا) يمكننا أن نفعل قليلاً جدًّا، و(معًا) يمكننا أن نفعل كثيرًا».
■ سرعةً: العمل «معًا» يساعد فى إنجاز العمل المطلوب فى وقت أسرع، وإتقان أعلى، وتميز لا يقارَن، كل فرد منا يؤدى ما يجيده، فيتكامل العمل بمجهود أقل.
إن قَبول التنوع، والقدرة على التعايش معًا يقودان إلى سلام المجتمع وتقدمه، و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى