بدأ الحديث عن “القديس البابا كِيرِلُّس السادس” (السادس عشَر بعد المئة في بطاركة الكرسيّ المَرقسيّ)، الذي احتفلنا باليوبيل الذهبيّ على نياحته بالأمس (التاسع من مارس). حفَلت حياة “القديس البابا كيرلس السادس” بكثير من الأحداث: فقد عمِل في Cook Shipping للملاحة، ثم صار “الراهب مينا البَرَمُوسي” بدير السيدة العذراء بوادي النطرون الشهير بالـ”بَرَمُوس”، حتى هرب من رتبة الأسقفية إلى “دير القديس أنبا شنوده رئيس المتوحدين”. وبعد عودته إلى ديره توحد في مغارة بالصحراء، ثم انتقل إلى طاحونة بمِنطقة صحراء مصر القديمة، وأُسند إليه في أثناء ذٰلك رئاسة “دير أنبا صَمُوئيل المعترِف” بجبل القَلَمون، فكان يتردد بين الدير و”مصر القديمة”، حتى رُشح للبطريركية دون علمه!! فهو لم يكُن يتطلع إلى الترشح، لٰكن نيافة “أنبا أثناسيوس” مِطران بني سويف القائم مقام البطريرك آنذاك قدم تزكية باسمه، قبل إغلاق باب الترشيح بيوم واحد! وقد جرت بينهما محادثة تليفونية:
– نيافة أنبا أثناسيوس: لماذا لم تقدم تزكية لترشيح نفسك، يا أبونا مينا؟
– أبونا مينا: يا سيدنا، حفِظ الله حياتك! الله يختار الراعي الصالح الذي يرعى شعبه ببر وطهارة قلب.
– نيافة أنبا أثناسيوس: كان يجب ألا يفوتك هٰذا الواجب.
– أبونا مينا: من أنا، الدودة الصغيرة، حتى أتطلع إلى هٰذه المهمة الخطيرة، وأحمل هٰذه الأمانة العظمى التي تعطَى لمن يختاره الله، لا لمن يشاء أو يبغي؟!
– نيافة أنبا أثناسيوس: لٰكن، ما زلت أنتظر منك الجواب! لماذا لم تقدم تزكية، وتترك الله يدبر ما يشاء؟
– أبونا مينا: يا سيدنا، آبائي الرهبان كثيرون، وتقدموا بتزكياتهم، وكُلهم أهل لهٰذا المنصب الخطير.
– نيافة أنبا أثناسيوس: يا أبونا مينا، أنا قدمت تزكية باسمك في الوقت المناسب.
– أبونا مينا: حفِظ الله حياتك، يا سيدنا! رايح يروح فين الصعلوك بين الملوك؟!!
– نيافة أنبا أثناسيوس: الله يرفع الفقير من المزبلة، ويجلسه مع رؤساء شعبه.
– أبونا مينا: دامت حياتكم، يا سيدنا، والرب يدبر.
وبعد فرز كل التزكيات المقدمة، قُبلت تزكيات خمسة آباء هم: “القمص دِميان المُحَرَّقي”، “القمص تيموثاوُس المحرقي”، “القمص “أنجيلوس المحرقي”، “القمص مينا الأنطوني”، و”القمص مينا البرموسي المتوحد”. وجاءت نتيجة الانتخابات بفوز ثلاثة منهم هم: “القمص دِميان المحرقي”، “القمص أنجيلوس المحرقي”، و”القمص مينا البرموسي المتوحد”. وفي 19 أبريل 1959م، بعد إقامة الصلوات، اختارت العناية الإلٰهية “القمص مينا المتوحد” ليصبح راعي الرعاة، فسِيمَ بطريركًا في العاشر من مايو ١٩٥٩م. أمّا عن اختيار الاسم البطريركيّ، ففيه قصة: كان “القمص مينا المتوحد” يحب اسم “مينا” جدًّا، حتى إنه حين اختارته العناية الإلٰهية في القرعة الهيكلية، ظن الجميع أنه سيحتفظ باسم “مينا”، لٰكنه حين سئل عن رغبته في الاحتفاظ باسم “مينا”، أجاب: “لا. كِيرِلُُس”. وحين سئل عن سر تغيير الاسم على الرغم من محبته الشديدة لاسم “مينا”، ذكر أنه بعد القرعة حلَم بـ”البابا كيرلس الخامس”، وهو يُهدهد طفلاً محمولاً على يديه، ثم قدم “البابا كيرلس الخامس” الطفل إلى “القمص مينا المتوحد”، وقال له: “ما تخافش، يا أبونا مينا، النعمة ستكون معك وتهدهدك زي ما بأعمل أنا مع الطفل دا”. وهٰكذا اختار “القمص مينا المتوحد” اسم “كيرلس” ليصبح “البابا كيرلس السادس”.
إلا أن حياة الوَحدة والانعزال عن العالم كانت دائمًا محل اشتياق “القديس البابا كيرلس السادس”، فيذكر “القمص رافائيل آڤا مينا” الشماس الخاص بقداسته: أن بعد نهاية قداس افتتاح الكاتدرائية، وفي الطريق إلى “المَرقسية الكبرى”، قال له “البابا كيرلس”: “شايف، يا ابني، كل البركات الحلوة، والمشاركات العالمية، وحضور الرئيس عبد الناصر بنفسه!!!” فأجابه الشماس رافائيل: “ربنا يخليك، يا سيدنا، ونشوف بركات حلوة كتيرة في عهدك.”. فما كان من “البابا كيرلس” إلا أن قال له: “صدقني، يا ابني، ولا يوم من أيام الطاحونة!!”. …و… وفي “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ