تحدثنا فى المقالة السابقة عن تطهير القناة بعد العُدوان الثلاثىّ، وعودة الملاحة إليها عام 1957م، والإدارة المِصرية لها. ثم عرضنا تأثير حربى 1967م و1973م فى الملاحة بالقناة، التى افتُتحت للملاحة مرة أخرى فى 1975م بعد إغلاقها ثمانى سنوات، وقرار رئيس الجمهورية الذى وضع نظامًا لهيئة قناة السويس.
قناة السويس
تُعد قناة السويس من أهم قنوات الملاحة فى العالم، بفضل موقعها الذى يربط قارات العالم معًا فى طريق مختصر، ما يوفر الوقت والجهد والأموال. كذٰلك هى تتميز ببعض السمات، كخلوها من الأهوسة، الأمر الذى يسمح بعبور السفن فيها من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، والعكس، فى مستوى مائىّ واحد، لذا، فهى تُعد أطول قناة فى العالم ليس لها أهوسة.
بلغ طول القناة عند حفرها 164 كيلومترًا، ووصلت إلى 193.30 كيلومتر بعد التوسعات العديدة عبر السنوات. وتعبر السفن فى اتجاه واحد، ثم تمر فى الاتجاه المعاكس. كذٰلك يبلغ عرض القناة 205 أمتار، وعمقها 24 مترًا. ويوجد ممر ملاحىّ واحد بالقناة داخل مناطق المرور فى «تفريعة البلاح» وفى «البحيرة المُرّة الكبرى». وتتسم قناة السويس فى الجنوب، فقط، بوجود مد وجزر ملحوظين. تسمح القناة بمرور السفن بحمولة تصل إلى 240 طُنـًّا وارتفاع 68 مترًا حدًا أقصى. وفى الأيام العادية تعبر القناة ثلاث قوافل، اثنتان جنوبًا، وواحدة شمالًا، حيث يستغرق المرور من 11 إلى 16 ساعة بسرعة تبلغ 8 عُقدات تقريبًا.
الملاحة فيها نهارًا وليلًا، وتوجد علامات للإرشاد مضيئة وعاكسة تحدد طريق السفن الملاحى أثناء الليل، كما توجد خمس عشْرة مَحطة إرشاد لمتابعة حركة الملاحة بالقناة، وللتدخل بالمعونة فى أوقات الطوارئ، حيث تقع مَحطات الإرشاد على طول الضفة الغربية للقناة، كلٌّ منها تبعد عن الأخرى مسافة عشَرة كيلومترات.
تشرف على القناة هيئة قناة السويس المِصرية التى كان رؤساؤها قبل التأميم: فرديناند ديليسبس، جولس جيشارد، أوكست لوى ألبريك، أمير دارنبرك، شارل يونار، لويس دا ڤوياج، فرانسوا شارل رو، وبعد قرار التأميم: د. مُحمد حلمى بهجت بدوى، م. محمود يونُس، م. مشهور أحمد مشهور، م. مُحمد عزت عادل، الفريق أحمد على فاضل، الفريق مهاب مميش.
قناة السويس الجديدة
يُعد مشروع قناة السويس الجديدة مشروعًا مِصريًّا، بدأ فى الخامس من أُغسطس 2014م، لتنمية منطقة القناة التى تمتد على طول ثلاث محافظات: السويس، والإسماعيلية، وبورسعيد، لتصبح مركزًا عالميًّا فى مجال الخِدْمات اللوجستية والصناعية. إضافةً إلى تطوير المنطقة لتنافس عالميًّا فى تقديم هٰذه الخِدمات وتنشيط التجارة والسياحة.
وقد بدأ المشروع خطواته الأولى فى الخامس من أُغسطس 2014م مع إطلاق سيادة رئيس جمهورية مِصر العربية «عبدالفتاح السيسى» إشارة بَدء التنفيذ فى مشروع «محور قناة السويس الجديدة»، وذٰلك بإنشاء مجرى ملاحىّ جديد لقناة السويس، وتعميق المجرى الملاحىّ الحالىّ، وتنمية محور القناة كاملًا.
وتعد إحدى أهم المراحل للمشروع هى حفر قناة موازية لقناة السويس من الكيلومتر الستين إلى الكيلومتر التسعين على طول 35 كيلومترًا، مع التوسيع والتعميق فى تفريعات البحيرات المرة والبلاح على طول 37 كيلومترًا؛ ليصبح الطول الإجمالىّ للمشروع 72 كيلومترًا من الكيلومتر الخمسين إلى الكيلومتر الثانى والعشرين بعد المائة.
بدأت الفكرة بعمل قناة موازية تهدف إلى إيجاد منطقة عرضها من 7- 10 كيلومترات بين القناتين، على امتداد القناة كاملًا. وقد كان رأى وزارة الدفاع آنذاك أن هذا المشروع سيؤثر فى الأمن القومىّ المِصرىّ. وعند إحياء المشروع ومناقشته مرة أخرى، طُرح السؤال مرة أخرى على وَزارة الدفاع، فبدأت تدرُس المشروع دراسةً كاملة من خلال إعداد الخرائط وتكوين لجنة من القوات المسلحة لأخذ القرار فى المشروع من الجهة الأمنية. لكنّ الفكرة استُبعدت لاعتبارات أمن مِصر القومىّ ودواعى أمن سيناء، فعُدِّل المشروع إلى وضعه الحالى. وقد وُضعت مسؤولية تنفيذ هذا المشروع على عاتق القوات المسلحة، مع اشتراك قرابة 17 شركة وطنية مِصرية فى العمل بإشراف القوات المسلحة المِصرية إشرافًا مباشرًا.
وجاء تمويل الجزء الخاص بالقناة وحفرها وملكيتها مِصريا خالصا لتكون القناة مِلكا دائما وأبدًا للمِصريين؛ فبعد أن استعادها أصحابها وأصبحت ملكا لهم مع قرار الرئيس «جمال عبدالناصر» أن تؤمَّم عام 1956م، لم يستطِع أحد انتزاعها من مِصر، هذا مع كل ما لاقته من تحالفات دولية ضد القرار، وجميع ما شُنَّ من هجمات وحروب لتدويلها. لذا قرر سيادة رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى» أن يكون تمويل مشروع الحفر للمِصريين فقط، ففى الخامس عشَر من أُغسطس 2014م، أُعلن قرار طرح شهادات للاستثمار باسم «شهادة استثمار قناة السويس» لإعداد الأموال اللازمة لتمويل المشروع التى قُدرت بمبلغ 60 مليار جُنيه مِصرىّ. وقد طُرحت الشهادات فى سبتمبر 2014م لتشهد مِصر- كما شهدت دائمًا عبر تاريخها من مواقف وطنية لشعبها العظيم- المِصريين وهم يتقدمون على مختلِف فئاتهم وشرائحهم، متكاتفين للعمل من أجل مِصر ومشروعها التنموى. وفى الخامس عشَر من سبتمبر 2014م، أعلن السيد هشام رامز، محافظ البنك المركزى المِصرى، غلق الاكتتاب فى الشهادات المطروحة، إذ أمكن تجميع 64 مليار جُنيه مِصرى نظير ما تحتاجه أعمال حفر القناة الجديدة، وذلك فى خلال ثمانية أيام من طرحها فى البنوك فقط!! وهكذا تم تجهيز المال اللازم للحفر من المِصريين أنفسهم. أمّا مشروعات التنمية الأخرى فستُطرح طبقا لقانون الاستثمار.
وتتزامن أعمال الحفر بالقناة والعمل على إنشاء 7 أنفاق أرضية: 3 أنفاق فى بورسعيد: نفقان للسيارات، ونفق للسكة الحديد؛ و4 أنفاق فى الإسماعيلية: اثنان للسيارات، وواحد للسكة الحديد، وآخر للمرافق. وهذه الأنفاق تعمل على نقل السيارات والسكك الحديدية إلى سيناء. وقد أعلن السيد الرئيس فى كلمته عند بَدء المشروع أن الأنفاق ستتم بأيدٍ مِصرية.
وقد أصدر السيد الرئيس تعليماته بأن تنتهى أعمال الحفر فى عام واحد، فى حين أنه من المتوقع أن تستغرق مشروعات التطوير من ثلاث إلى خمس سنوات. ويُعد من أهم أهداف المشروع الجديد السماح بعبور السفن فى الاتجاهين، ما يؤدى إلى تقليل فترة الانتظار للسفن ساعاتٍ طويلة أو أيامًا فى «منطقة البحيرات المُرّة»، مع زيادة قدرة القناة على السماح بمرور السفن العملاقة التى يصل الغاطس منها إلى عمق 65 قدما، وهذا بدوره سيؤدى إلى زيادة عدد السفن العابرة للقناة، ومن ثَم زيادة دخل القناة، الذى أشارت التقديرات إلى وصول عائده إلى 100 مليار دولار سنويا.
أمّا عن مشروعات التنمية فهى: مشروع «وادى التكنولوچيا» بالإسماعيلية، ومشروع «ضاحية الأمل» على طريق القاهرة- بورسعيد، ومشروع «الإسماعيلية الجديدة»، ومشروع «المنطقة الصناعية»، الذى يهدُف إلى إيجاد منطقة صناعية متكاملة فى «القنطرة شرق». ومشروع «المنطقة الزراعية» ويتضمن عمليات الاستزراع السمكى لتوفير المنتجات الغذائية وتنمية الثروة السمكية. ويتضمن المشروع إنشاء مَحطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، مع مشروعات أخرى لتنمية المنطقة السياحية.
النتائج من مشروع «محور قناة السويس»
وفى نقاط نضع أهم النتائج من مشروع القناة:
■ ازدواج الشِريان الملاحى للقناة على طول 34 كيلومترًا، فى المنطقة الواقعة بين «تفريعة البلاح» حتى الكيلومتر الـثانى والخمسين فى «القنطرة غرب»، ما يؤدى إلى سرعة المرور بالمجرى الملاحى، حيث يمر بقناة السويس 10% من التجارة العالمية، و22% من تجارة الحاويات فى العالم.
■ وهذا بدوره يؤدى إلى زيادة إيرادات القناة التى قُدرت عند اكتمال المشروع بـ100 مليار دولار سنويا.
■ تنفيذ عدد كبير من المشروعات يصل إلى 42 مشروعا، تخلق فرص عمل للشباب تصل إلى 20 ألف فرصة.
■ تطوير الطرق: القاهرة- السويس- الإسماعيلية- بورسعيد.
■ ربط ضفتى القناة الشرقية والغربية من خلال إنشاء نفق الإسماعيلية الذى يمر بمحور السويس، وربط القطاعين الشرقى والغربى لإقليم قناة السويس عن طريق نفق جنوب بورسعيد أسفل قناة السويس.
■ تطويرات للمنطقة كتطوير ميناء نويبع ومطار شرم الشيخ.
■ إنشاءات منها: مآخذ مياه جديدة على ترعة الإسماعيلية، ومَحطة الصب السائل بميناء «السخنة»، ومحطة كبرى متخصصة فى الصب الزراعى للحبوب والغلال، ومحطة تداوُل الحاصلات الزراعية بميناء «السخنة».
■ إقامة مشروعات عمرانية متكاملة، تهدُف إلى استصلاح 4 ملايين فدان وزراعتها، ما يوفر السلع الغذائية، ويجذب الاستثمارات العالمية.
■ خلق كِيانات صناعية ولوجستية جديدة فى المنطقة تعتمد على أنشطة القيمة المضافة والصناعات التكميلية بالداخل والخارج.
إن مِصر تتجه الآن بخطًى ثابتة نحو العمل والنمو والبناء، ما يستدعى تكاتف جميع القوى وأفراد الشعب للعمل والبناء.
حفِظ الله مِصر وصانها من كل شر، وشدد أيدى أبنائها للعمل من أجل رفعتها… و… وعن مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام، رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى