وصلتنى رسالة أحد القراء الأعزاء، وهو صديق عزيز، تعليقًا على مقالة الأسبوع الماضى “الصبر”؛ وقد آثرت أن أقدمها إليكم كما وصلت؛ فقد كتب فيها:
الأخ الأكبر والكبير فى المقام والرفعة نيافة الأنبا إرميا ـ بارك الله فيك:
تحية عطرة من أخ يعزك، لقد طالعتُ مقالتك عن الصبر، وجدتُ نفسى أشاركك بالآيات الكريمة التى لا تفارقنى أبدًا، كثيرًا ألجأ إليها لتواسينى فى محنى واختبارات الرب لى، لك منى كل الاحترام والتقدير.. جزاك الله كل الخير.
يقول اللَّهُ الَّذِى لا إِلٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلٰكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَىْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوْعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنّا لِلّٰهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾ (القرآن الكريم ـ البقرة).
وإذ أشكر صديقى العزيز على رسالته، وأؤكد فى الوقت نفسه أن الصبر هو أمر يتشارك فيه جميع البشر فى مراحل مختلفة من حياتهم؛ فكل ساعٍ فى الحياة يعمل بصبر للوصول إلى النجاح، وكل متألم أو مظلوم يصبِر حتى تنقشع الغَيمة، وتُشرق شمس الحقيقة مع صباح أمل جديد، لذٰلك فالصبر قيمة وفضيلة أجَلَّتها الأديان ووضعتها فى تعاليمها؛ فذكر داوُد النبى والملك فى سفر المزامير: “انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلا تَغَرْ مِنَ الَّذِى يَنْجَحُ فِى طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِى مَكَايِدَ”، وذكر أيضًا بولُس الرسول فى رسالته الأولى إلى تيموثاوُس: “وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ … اتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ”. ويؤكد الفكرة عينها يعقوب الرسول: “هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ”، ونجد فى سورة هود: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾، وفى سورة النحل: ﴿وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلّا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِى ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ﴾، وأيضًا فى سورة الطور: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾.
والصبر يحتاج إلى أن يكون الإنسان مؤمنًا بأن ما يلاقيه من أمور هو أمر وقتى سيتغير حتمًا فى هٰذه الحياة؛ فسمة الحياة التغير، وثِق بالله العادل، ملتجئًا إليه فى كل أمورك، إن الصبر سلاحك فى مقاومة ما تتعرض له من شدائد؛
وهنا أتذكر بعض ما ذكره الشعراء عن الصبر فيقول أحدهم:
صَبْرًا جَمِيلـًا ما أَقْرَبَ الفَرَجا! مَنْ راقَبَ اللهَ فِى الْأمُورِ نَجا
مَنْ صدَّقَ اللهَ لَــــــمْ يَنَلْهُ أَذَى وَمَنْ رَجاهُ يَكُونُ حَيْثُ رَجا
ويقول آخر:
إِذا ما أَلَمَّتْ شِدَّةٌ فاصْطَبِرْ لَها فَخَيْرُ سَلاحِ المَرْءِ فِى الشِّدَّةِ الصَّبْرُ
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ